حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

خطبة المؤلف

صفحة 20 - الجزء 1

  فإنَّ أولى ما تقترحه القرائح، وأعلى ما تَجْنَحُ إلى تحصيله الجوانح، ما يتيسر به فهم كتاب الله المُنْزَل، ويتَّضح به معنى حديث نبيّه المُرْسل، فإنهما الوسيلة إلى السعادة


  سيدنا محمد) أصله المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة، أي: العقلاء أي: من له عليهم ولاية، ثم أطلق على مطلق المتولي لعاقل وتولية الأنبياء على السواد من حيث إرشادهم للآخرة، وقد تكون التولية من حيث أن المتولي تولى أمور الشريعة كسيادة العلماء، وقد تكون بتولية الإحسان كما في قول بعض: ببذل وحلم ساد في قومه الفتى اهـ دردير. وهذا أحسن من قول بعض: إن السيد يطلق على كذا وكذا إذ يفيد أنه مشترك، أو أنه خلاف الأصل.

  قوله: (على سيدنا محمد) تنازعه كل من الصلاة والسلام ويصح تعلقها بحال مقدرة واعترض بأن مجيء الحال من المضاف إليه ليس بصحيح؛ لأن المضاف ليس مقتضياً لعمله أو جزء ما أضيف له أو مثل جزئه وأجيب بأن المضاف إليه هنا ليس في معنى المضاف إذ التقدير مهما يكن من شيء تأخر عن البسملة والحمدلة الخ فيؤخذ من هنا أن المسائل أربع، ويمكن أن يجاب أيضاً بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. قوله: (محمد) الأولى قراءته بالرفع ليكون عمدة لا بالجر لئلا يكون اسمه فضلة؛ لأنه يكون بدلاً ولا بالنصب؛ لأن الرسم يأباه. قوله: (وعلى آله) وفي نسخة وآله والمراد بهم كل تقي أي للشرك فيشمل العصاة. قوله: (فإن أولى) إن هنا للتوكيد على توهم وجود شخص منكر أو أنها لتزيين اللفظ لا للتوكيد وقوله، فإن أولى أي أحق وقوله تقترحه أي: تسأله، والقرائح: جمع قريحة وهي أول ما ينزح من البئر وكأنهم سموه بذلك لتبركهم به والمراد بالقريحة هنا الطبيعة السليمة، وقوله وأعلى معناه أولى قوله: (ما تجنح) أي: شيء تجنح أي تميل وهو بفتح النون في الماضي والمضارع قوله: (إلى تحصيله الجوانح) المراد بالجوانح الضلوع من جهة الصدر وأطلقها، وأراد القلب، فالعلاقة المجاورة والجمع بين أولى وأعلى فيه الجناس اللاحق لتباعد المخرج وبين جوانح وقرائح شبه الاشتقاق على ما فسرنا به قوله تقترحه القرائح وتجنح إلى تحصيله الجوانح الخ، ويصح أن يكون فيه جناس الاشتقاق فيراد بقوله تقترحه أي تستنبطه، وقوله القرائح أي الذي ثبت لها القريحة فهي مشتقة حينئذ وقوله تجنح أي تميل وقوله الجوانح أي القلوب المائلة.

  قوله: (ما يتيسر) أي: يتسهل وما واقعة على علوم وهي شاملة للأدبية وغيرها، وقوله معنى الخ المعنى ما عنى وقصد أي المقصود من حديث الخ، وقوله المنزل الأنسب قراءته بسكون النون ليناسب المرسل قوله: (ويتشح) أي: يتبين. قوله: (المرسل) كالرسول في أنه يكره إطلاق كل غير مضاف للمولى كما المقرر لشيخ الإسلام. قوله: (فإنهما الخ) علة لكونه أولى وأعلى.

  قوله: (الأبدية) أي: المنسوبة للأبد أي: ما لا نهاية لآخرته والظاهر أنه أراد بالسعادة النعيم.