خطبة المؤلف
  الأبدية، والذريعة إلى تحصيل المصالح الدينية والدنيوية، وأصل ذلك علم الإعراب، الهادي إلى صَوْب الصواب. وقد كنتُ في عام تسعة وأربعين وسبعمائة أنشأت بمكة، زادها الله شرفاً، كتاباً في ذلك، مُنَوِّراً من أرجاء قواعده كل حالك؛ ثم إنني أُصِبْتُ به وبغيره في مُنْصَرَ فِي إلى مصر. ولمَّا من الله تعالى عَلَيَّ عام ستة وخمسين بمُعاودة حَرَم
  قوله: (الإعراب) يطلق الإعراب على علم النحو وهو علم بأصول يعرف به أحوال أواخر الكلمة وهو المراد هنا ويطلق على قابل البناء، ويطلق على تطبيق المركبات على القواعد كما تقول مثلاً اعرب لي جاء زيد أي: طبق القواعد على هذا الجزئي وبين لي أنه مندرج تحتها قوله: (الهادي) أي: الدال قوله: إلى صوب هو في الأصل المطر والصوب هو الموافقة للواقع أو الاستقامة فيكون إما شبه الصواب بالسحاب على طريق الاستعارة بالكناية وإثبات الصوب استعارة إما باقٍ على معناه لم يقصد به إلا تقوية الاستعارة أو أنه مستعار لطريق الصواب بجامع حصول النفع المبهج للنفوس، ويصح أن يكون من إضافة المشبه به للمشبه أي: الصواب الذي هو كالصوب اهـ تقرير شيخنا دردير، ثم إن إسناد الهداية لعلم الإعراب مجاز وفي صوب الصواب شبه جناس الاشتقاق.
  قوله: (في عام تسعة وأربعين) الإضافة على معنى اللام والمراد السنة الأخيرة منها والقرينة على ذلك قصده تاريخ الكتاب فضبط الواقعة يعين الأخير وإلا لو أراد أي عام منها كما يفيده جوهر اللفظ لم يحصل ضبط للواقعة، أو قوله في عام تسعة الخ أي في آخر عام من تسعة وأربعين وهذا العام هو عام الوباء الكبير الذي أخفى غالب أهل مصر. قوله: (في ذلك) أي في علم الإعراب. قوله: (منوراً من أرجاء قواعده الخ) يحتمل أنه أراد بقوله منوراً مزيلاً للإشكال، ولكن يرتكب التجريد ويراد منه مطلق مزيل، والحالك هو المشكل والأرجاء جمع رجا يكتب بالألف؛ لأنه واوي يقال لناحيتي البئر رجوان فينحل المعنى مزيلاً كل ظلمة عن قواعده التي كالأرض صاحبة الأرجاء فشبه القواعد بالأرض استعارة بالكناية وإثبات الأرجاء تخييل ووجه الشبه بين القواعد والأرض الثبوت والرسوخ في كل، ويحتمل أنه من إضافة المشبه به للمشبه أي: القواعد التي هي: كالأرجاء في سعة كل وقوله من أرجاء قواعد متعلقة بكل حالك والحالك في الأصل الظلمة والمراد هنا المسائل الصعبة، وقوله: منوراً استعارة لمزيلاً أي مزيلاً لكل ظلمة من أرجاء الخ، وقوله قواعده أي القواعد المذكورة فيه وإلا فالقواعد للفن لا للكتاب اهـ دردير. قوله: (قواعده) جمع قاعدة وهي لغة الثابت واصطلاحاً قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها وطريق التعرف أن تأتي بقضية أي مقدمة سهلة الحصول وتجعلها صغرى وتجعل القضية كبرى ينتج المطلوب، ووجه كونها سهلة الحصول أن تأتي بجزئي من أفراد موضوع تلك القضية وتحمل عليه موضوعها.
  قوله: (أصبت به) أي: تلف أو ذهب مني هو وغيره أعم من أن يكون مالاً أو كتباً. قوله: (في منصرفي) يحتمل أنه مصدر أي في ذهابي وحنيئذ يكون قوله إلى مصر متعلقاً