حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (إذا) على وجهين

صفحة 243 - الجزء 1

  فقال له الكسائي: هذه العربُ ببابك قد سمع منهم أهل البلدين، فيُحضَرُون ويُسألون.

  فقال يحيى وجعفر: أنصفت، فأحضروا، فوافقوا الكسائي، فاستكان سيبويه.

  فأمَرَ له يحيى بعشرة آلاف درهم فخرج إلى فارس، فأقام بها حتى مات، ولم يَعُدْ إلى البَصْرة.

  فيُقَال: إن العرب قد أُرشوا على ذلك، أو إنهم علموا منزلة الكسائي عند الرشيد. ويقال: إنهم قالوا: القولُ قول الكسائي، ولم ينطقوا بالنصب، وإن سيبويه قال ليحيى: مُرْهم أن ينطقوا بذلك، فإنّ ألسنتهم لا تطوع به. ولقد أحسن الإمام الأديب أبو الحسن حازم بن محمد الأنصاري القَرْطاجَنِّي إذ قال في منظومته في النحو حاكياً هذه الواقعة والمسألة [من البسيط]:

  وَالْعُرْبُ قَدْ تَحْذِفُ الأَخبار بعد إِذَا، ... إِذَا عَنَتْ فَجَأةَ الأمْرِ الَّذِي دَهَمَا

  وَرُبَّمَا نَصَبُوا لِلْحَالِ بَعْدَ إِذَا، ... ورُبَّما رَفَعُوا مِن بَعْدِها، رُبما


  قوله: (أهل البلدين) البصرة والكوفة قوله: (وجعفر) أي: ابن يحيى ... قوله: (أنصفت) قال الزجاجي أي إنصاف في الرجوع إلى أعراب وفدوا لحاجتهم وسيبويه رجل غريب وأخصامه أهل البلد والدولة وإنما الحكم العارف بالفصيح وغيره وقد لا يعرف الأعرابي إلا لغته الشادة. قوله: (فاستكان) أي: خضع وتحول من كون البسط إلى كون القبض وأصله من الكون أي صار من كون العز إلى كون الخضوع أو من كون البسط إلى كون القبض أو من الكين وهو لحم داخل الفرج أي صار يشبهه. الذلة واللين وسبب ذلك أنه لما وافق العرب الكسائي أقبل يحيى على سيبويه، وقال له قد تسمع أيها الرجل مع لطافة سيبويه وحداثة سنة فقال له الكسائي أصلح الله الوزير إنه قدم إليك راغباً فإن أردت أن لا ترده خائباً قوله: (فأمر له يحيى) قيل بأمر الكسائي فقال ليحيى إنه طلبك قاصداً لا تخيب رجاءه. قوله: (فخرج إلى فارس) بلاد الفرس. قوله: (حتى مات) سنة ثمانين ومائة على الصحيح وقيل سنة أربع وتسعين ومائة وكان سنه إذ ذاك اثنين وثلاثين سنة قيل: إن سبب علته التي مات منها هذه الواقعة كما أشار له حازم.

  قوله: (على ذلك) أي: دفعت لهم رشوة على إظهار موافقة الكسائي. قوله: (أو أنهم علموا) أي: أو إنهم فعلوا ذلك لأجل أنهم علموا قوله: (منزلة الكسائي عند الرشيد) أي: فقصدوا التقرب إليه قوله: (لا تطوع به) أي فلم يأمرهم لأن الكسائي كان من جلسائه. قوله: (بعد إذا) نحو خرجت فإذا الأسد. قوله: (إذا عنت) أي: أرادت وقصدت. قوله: (فجأة) مصدر فجأة الأمر إذا أتاه بغتة ودهما جاء بغتة. قوله: (وربما نصبوا) أي: الواقع بعدها قوله: (للحال) أي: على الحال وفي نسخة بالحال والباء فيها