الفصل الثاني في خروجها عن الاستقبال
  وقول بعضهم: إنه جواب على إضمار الفاء مثلُ: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ}[البقرة: ١٨٠] مردُودٌ بأن الفاء لا تحذف إلا ضرورة، كقوله [من البسيط]:
  مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشكُرُهَا، ... [والشَّرُّ بالشَّرْ عِندَ اللَّهِ مِثْلَانِ]
  و «الوصية» في الآية نائب عن فاعل كُتِب، و «للوالدين»: متعلّق بها، لا خبر، والجواب محذوف، أي: فليُوص.
  وقول ابن الحاجب «إنَّ «إذا» هذه غير شرطيَّة فلا تحتاج إلى جواب، وإن عاملها ما بعد «ما» النافية كما عمل ما بعد «لا» في «يوم» من قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ}[الفرقان: ٢٢] وإن ذلك من التوسع في الظرف» مردود بثلاثة أمور:
  أحدها: أن مثل هذا التوسع خاص بالشعر كقوله [من الرجز]:
  ١٣٧ - وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا
  والثاني: أن «ما» لا تقاس على «لا»، فإن «ما» لها الصَّدْرُ مطلقاً بإجماع البصريين، واختلفوا في «لا»، فقيل: لها الصدر مطلقاً، وقيل: ليس لها الصدر مطلقاً
  قوله: (وقول بعضهم) أي: انتصاراً لأبي حيان قوله: (الوصية للوالدين) أي: فالوصية للوالدين الخ. قوله: (الله) أي: فالله يشكرها قوله: (نائب فاعل كتب) أي: وتذكير فعلها للفاصل ولأنها بمعنى أن يوصي. قوله: (نائب فاعل كتب) أي: وليست مبتدأ والجملة الإسمية جواب الشرط كما يقوله ذلك البعض. قوله: (والجواب) أي: جواب إن محذوف، وقوله فليوص أي ترك خيراً فليوص. قوله: (إن إذا هذه) أي: في قوله {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ}[الجاثية: ٢٥] ما كان حجتهم. قوله: (وإن ذلك) أي: عمل ما بعدها في الظرف المتقدم عليها. قوله (خاص بالشعر) أي: فكيف يخرج القرآن عليه قوله: (ونحن عن فضلك ما استغنينا) أي: فقوله عن فضلك متعلق باستغنينا، وعمل ما بعدها فيما قبلها لضرورة الشعر أي القرآن لا ضرورة فيه فلا يصح ذلك فيه. قوله: (الصدر مطلقاً) ووقعت في جواب القسم أولاً قوله: (أي اختلفوا في لا) أي: وإذا كانت مختلفاً فيها فكيف يقاس المتفق عليه على المختلف فيه فهو قياس مع الفارق والحق
١٣٧ - التخريج: الرجز لعبد الله بن رواحة في (ديوانه ص ١٠٧؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٣٢٢؛ والكتاب ٣/ ٥١١؛ وله أو لعامر بن الأكوع في الدرر ٥/ ١٤٨؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٢٨٦، ٢٨٧؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ٢٣٤؛ وتخليص الشواهد. ١٣٠؛ وخزانة الأدب ٧/ ١٣٩؛ والمقتضب ٣/ ١٣؛ وهمع الهوامع ٢/ ٧٨).
المعنى: يناجي ربه، مؤكداً لنفسه ولقومه عدم استغنائهم عن فضل الله جل وعزّ.