حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الباب الأول في تفسير المفردات، وذكر أحكامها

صفحة 34 - الجزء 1

  كثرة الحذف؛ إذ التقدير عند من جعلها للاستفهام: أمَنْ هو قانت خير أم هذا الكافر، أي المخاطَبُ بقوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا}⁣[الزمر: ٨] فحذف شيئان: معادِلُ الهمزة والخبر؛ ونظيره في حذف المُعادل قول أبي ذُويْبِ الهُذَلِي [من الطويل]:

  ٥ - دَعانِي إِلَيْهَا الْقَلْبُ إِنِّي لأمْرِهِ ... سَمِيعٌ، فَمَا أَدْرِي أَرُشْدُ طِلابُهَا

  تقديره: أم غَيَّ، ونظيره في مجيء الخبر كلمة «خير» واقعة قبل «أم»: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}⁣[فصلت: ٤٠]، ولك أن تقول: لا حاجة إلى تقدير مُعَادِل في البيت لصحة قولك: ما أَدْرِي هل طلابها رُشد، وامتناع


  مجازاً، واعلم أن الأولى تخريج الآية على الاستفهام، وإن لزم عليه المجاز الذي هو دون الحقيقة؛ لأن الاستفهام واقع في القرآن كثيراً وصرف عن ظاهره بخلاف النداء بدون يا فلم يرد فيه أصلاً.

  قوله: (إذ التقدير الخ) علة لمحذوف أي: الاستفهام لزم عليه كثرة الحذف؛ لأن التقدير الخ، وإنما كان التقدير كما قال؛ لأن الهمزة للاستفهام ومن اسم موصول مبتدأ وهو قانت صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، فلا بد حينئذ من ثلاثة أمور: من الخبر ومعادل الهمزة ومدخولها، فقول المصنف شيئان فيه قصور أو أنه أراد بالمعادل أم ومدخولها وهو مدخول الهمزة لكن الذي يناسب الكثرة ثلاثة أشياء. قوله: (المخاطب بقوله تعالى {قُلْ تَمَتَّعْ}⁣[الزمر: ٨]) الأولى حذف قل؛ لأنه خطاب للنبي أو أن فيه حذفاً أي: المخاطب بتمتع من قوله تعالى قل تمتع. قوله: (معادل الهمزة) أي: وهو أم وقوله والخبر أي: وهو خير قوله: (ذؤيب) تصغير ذئب وقوله دعاني إليها، أي المحبوبة. قوله: (تقديره) أي: المعادل أي أن طلابها هل ثبت له رشد أم غي فهو شك في المحول والنسبة معلومة أي ثبت للطلاب شيء هل هو الرشد أو الغي قوله: (ونظره الخ) لما كانت المسائل لا ترسخ في الذهن كل الرسوخ إلا بالنظائر أراد أن يأتي في كل مسألة بنظيرتها، ولما كان هنا حذف الخبر كثيراً شائعاً لم يأت له بنظير والقليل إنما هو كونه خصوص لفظ خير أتى به. قوله: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ}⁣[فصلت: ٤٠] أي: لكن الخبر في هذه مذكور، وفي تلك مقدر قوله: (ولك أن تقول لا حاجة الخ) أي: بأن


٥ - التخريج: البيت لأبي ذؤيب الهذلي في (تخليص الشواهد ص ١٤٠؛ وخزانة الأدب ١١/ ٢٥١؛ والدرر ٦/ ١٠٢؛ وشرح أشعار الهذليين ١/ ٤٣؛ وشرح عمدة الحافظ. ص ٦٥٥؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٢٦، ١٤٢، ٢/ ٦٧٢؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢/ ٣٧١؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٣٢).

اللغة: دعاني: ناداني الرشد الهداية. طلابها: الرغبة فيها.

المعنى: ناداني القلب لأتبع حلوتي، وأنا ألبي طلبات قلبي، وأستمع لأوامره التي تدعوني للقائها، بالرغم من عدم تأكدي أن في هذا ضلالاً أم هداية واستقامة.