ومن قوله [من الرجز]:

  ١٩١ - وَاللَّهِ لا يَذْهَبُ شَيْخِي بَاطِلاً ... حَتَّى أُبِير مالكا وَكَاهِلاً

  لأن ما بعدهما ليس غاية لما قبلهما ولا مسبباً عنه، وجعل ابن هشام من ذلك الحديث: «كُلُّ مَوْلُودِ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَواهُ هُما اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ» إذ زمَنُ الميلادِ لا يتطاولُ فتكون «حتى» فيه للغاية، ولا كونه يولد على الفطرة علتُه اليهودية والنصرانية فتكون فيه للتعليل، ولك أن تخرجه على أن فيه حذفاً، أي يولد على الفطرة ويستمرّ على ذلك حتى يكون.

  ولا ينتصب الفعل بعد «حَتَّى» إلا إذا كان مُستقبلاً، ثم إن كان استقباله بالنظر إلى زمن التكلّم فالنصب واجب، نحو: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ٩١}⁣[طه: ٩١]؛

  لم يجزم به لاحتمال الغاية في البيت أي انتفى عنك العطاء سماحة إلى أن تجوز وإن كان بعيداً. قوله: (وفي قوله) أي: امرئ القيس. قوله: (لا يذهب شيخي) أي: أبي وقوله باطلاً أي هدراً وقوله أبير أي أهلك وكاهلاً ومالكاً حيان قتلا أباه والغاية في هذا البيت ممكنة أي لا أترك ثأره إلى أن أقتل هذين الحيين فأترك حينئذ لحصول القصد بإهلاكهما اهـ تقرير دردير قوله: (حتى أبير الخ) الاستثناء منقطع بمعنى الاستدراك أي لكن أهلكهما. قوله: (لأن ما بعدهما) أي: ما بعد حتى في البيت الأول والثاني والذي بعدهما الجود مع القلة والإبارة لذينك الحيين قوله: (ليس غاية لما قبلهما) وهو انتفاء كون العطاء من الفضول سماحة في الأول وانتفاء ذهاب شيخه باطلاً في الثاني. قوله: (ولا مسبباً عنه) أي: حتى يكون ما يعدها علة فتكون حتى للتعليل. قوله: (علته اليهودية) بإضافة العلة إلى الضمير العائد على الكون المذكور أي ولا علة كونه يولد على الفطرة هي اليهودية الخ. قوله: (فتكون) أي: حتى فيه للتعليل أي فلم يبق إلا أن تكون فيه بمعنى إلا الاستثنائية والاستثناء منقطع.

  قوله: (على أن فيه حذفاً) أي: فتكون حينئذ بمعنى إلى قوله: (إلا إذا كان مستقبلاً) وذلك لأن النصب بأن وأن للاستقبال فلو كان الفعل للحال مع كون العامل أن يلزم التناقض بين العامل ومعموله قوله: (بالنظر إلى زمن التكلم) أي: كما أنه مستقبل بالنظر لما قبلها أيضاً قوله: (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) أي: فإن

١٩١ - التخريج: الرجز لامرئ القيس في (ديوانه ص ١٣٤؛ والأغاني ٩/ ٨٧؛ وخزانة الأدب ١/ ٣٣٣، ٢/ ٢١٣؛ والدرر ٤/ ٧٥؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٣٧٢؛ ومعجم ما استعجم ص ٥٦؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣/ ٥٦٠؛ وهمع الهوامع ٢/ ٩).

اللغة: شيخي: أبي أبير: أهلك. مالك وكاهل: حيان من بني أسد.

المعنى: يقسم أنه لن يترك دم أبيه يذهب هدراً، وسيُهلك مقابله حتي بني أسد مالكاً وكاهلاً.