فصل قد تخرج عن الاستفهام الحقيقي، فترد لثمانية معان
  والثاني: الإنكار الإيطالي: وهذه تَقْتَضي أنَّ ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب، ونحو {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا}[الإسراء: ٤٠]، {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ١٤٩}[الصافات: ١٤٩]، {أَفَسِحْرٌ هَذَا}[الطور: ١٥]، {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}[الزخرف: ١٩]، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}[الحجرات: ١٢]، {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ}[ق: ١٥]، ومن جهة إفادة هذه الهمزة نَفْي ما بعدها لزم ثبوتُه إن كان منفيا، لأن النَّفْي إثبات، ومنه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}[الزمر: ٣٦]، أي الله كافٍ عبده؛ ولهذا عطف مَدْخولُ الواو {وَوَضَعْنَا}[الشرح: ٢]
  الجملة الواقعة بعدها في محل نصب والفعل معلق بالهمزة فلا يقال أنه يلزم عليه الخروج للهمزة عن الصدارة.
  واعلم أن أبالي فعل يتعدى بنفسه تقول ما أباليه أي: لا أكترث به وقد يتعدى بحرف الجر لذا قال الشارح بعد وما أبالي بقيامك ويقرب من معنى الفعل القلبي؛ لأن معنى لا أبالي به لا أكترث به ومعناه لا أفكر فيه ازدراء به لأن التعليق حينئذ من هذه الجهة اهـ كلام الدماميني. ومحصله تسليم أن الهمزة بعد ما أبالي للتسوية وقد يدعي فيها الاستفهام الحقيقي والمعنى لا أكترث ولا أفكر في جواب هذا الاستفهام. قوله: (الإنكار الإيطالي) العلاقة هنا أن نفي الشيء جهل لوجوده وهو يستلزم عنه فأطلق اسم اللازم وأراد الملزم. قوله: (وأن مدعيه) أي: ولو تقديراً كما في قوله تعالى اشهدوا خلقهم أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، فلم تقع هذه الدعوة ولكن لما اعتقدوا أن هذا وقع اعتقاد من شهد بذلك قيل: اشهدوا خلقهم. قوله: (فأصفاكم ربكم الخ) الإنكار على مجموع الأمرين أعني إعطاءه البنين واتخاذ الإناث أي إن إعطاءه البنين لكم المصاحب لاتخاذه لم يكن فلا يقال المنكر ما يلي الهمزة على ما تقرر الذي يليها الإصفاء بالبنين وليس هو المنكر إنما المنكر قولهم أنه اتخذ من الملائكة إناثاً. قوله: (فاستفتهم) أي: صورة منكراً عليهم معنى قوله: (أفسحر هذا) وهذا من قبيل ما زعموه بطريق الصراحة وكذبوا فيه، وأما قوله: أشهدوا خلقهم هذا من قبيل ما زعموه لا بطريق الصراحة بل ألزموا به إلزاماً وذلك؛ لأنهم لما جزموا بكون الملائكة إناثاً كانوا كمن زعم أنه شاهد خلقهم. قوله: (أيحب أحدكم الخ) لما نهى المولى عن الغيبة شبهها بما هو مكروه من معتادهم وهو أكل لحم المغتاب ميتاً وأتى به على صيغة الإنكار تنبيهاً على أنه مما لا يفعلونه، ثم إنه لما كان ذلك التشبيه سبباً لذكر تحقيق الكراهة قال بعد ذلك فكرهتموه.
  قوله: (أفعيينا بالخلق الأول) أي: لم نعي ولم نعجز عن الخلق الأول فكيف نعجز من الثاني يقال عي بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله قوله: (لأن نفي النفي إثبات) أي: لأنه لا واسطة بين النفي والإثبات فإذا انتفى أحدهما لزم تحقق الآخر وثبوته. قوله: (ومنه أليس الله بكاف الخ) أفادت الهمزة نفي عدم كفاية عبده فيلزم بالضرورة إثبات كفايته فلذا قال أي الله كافٍ عبده. قوله: (ولهذا عطف الخ) أي: ولأجل تأويل النفي بالإثبات صح