حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

فصل قد تخرج عن الاستفهام الحقيقي، فترد لثمانية معان

صفحة 47 - الجزء 1

  على {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ١}⁣[الشرح: ١] لما كان معناه شَرَحْنا؛ ومثله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ٦ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ٧}⁣[الضحى: ٦ - ٧]، {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ٢ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ٣}⁣[الفيل: ٢ - ٣]، ولهذا أيضاً كان قول جرير في عبد الملك [من الوافر]:

  ١١ - أَلَسْتُم خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ

  مَدْحاً، بل قيل: إنه أَمْدَحُ بيت قالَتْه العرب، ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مَدْحاً البتَّة.

  والثالث: الإنكار، التوبيخي، فيقتضي أنَّ ما بَعْدَها واقع، وأن فاعِلَهُ مَلُومٌ، نحو: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ٩٥}⁣[الصافات: ٩٥]، {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ}⁣[الأنعام: ٤٠]، {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ٨٦}⁣[الصافات: ٨٦]، {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ}⁣[الشعراء: ١٦٥]،


  الخ وحينئذ فيرد ما مر من الاعتراض ويجاب بأن المراد بقوله ولهذا الخ معناه ولأجل كون الهمزة التي للإنكار بمعنى النفي فتصيره خبراً صح العطف؛ لأنه يكون من عطف الخبر على الخبر، ولو كان الاستفهام حقيقاً لزم عطف الخبر على الإنشاء اهـ. أو المراد ولأجل تأويل النفي بالإثبات صح العطف الخ عطفاً مناسباً؛ لأن عطف الماضي على المضارع خال عن المناسبة، فلما أول نشر بشرحنا حصل التناسب. قوله: (ولهذا الخ) يقتضي أنه لو لم يكن في معنى الإثبات لم يصح العطف وليس كذلك لصحة لم يسيء زيد وأكرمته من غير تأويل قوله: (في عبد الملك) أي: ابن مروان والمطايا الدواب المسرعة وقوله: وأندى أي: أسخى مبتدأ أو خبر وقوله بطون بالرفع مبتدأ أو خبر، أو بالنصف تمييز وقوله: راح جمع راحة وهي الكهف. قوله: (التوبيخي) العلاقة أن التوبيخ على الشيء سبب في عدمه وعدمه سبب في جهله والجهل به سبب في الاستفهام عنه فاستعمل اسم المسبب في السبب بواسطة فالعلاقة المسببية. قوله: (ملوم) أي: فيقدر محلها لا ينبغي.


١١ - التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص ٨٥، ٨٩؛ والجنى الداني ص ٣٢؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٤٢؛ ولسان العرب ٧/ ١٠١ (نقص)؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٤٦٣، ٣/ ٢٦٩؛ ورصف المباني ص ٤٦؛ وشرح المفصل ٨/ ١٢٣؛ والمقتضب ٣/ ٢٩٢.

اللغة: المطايا: جمع مطيّة وهي كل دابة تستخدم للركوب أندى: أكثر ندى وجوداً وأكرم عطاء الراح: جمع راحة وهي باطن الكفّ.

المعنى: يتساءل مقرّراً أنهم أفضل الناس شجاعة وكرماً، ألستم أفضل الفرسان الذين يمتطون صهوات دوابهم للحرب والطعان؟ وكذلك ألستم أكثر الناس جوداً وكرماً تمنحون الناس من باطن راحاتكم خيراً وسخاء.