· (قد) على وجهين
  «قد»؛ إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنه متوقع له، وأما في الماضي فلأنه لو صح إثبات التوقع لها، بمعنى أنها تدخل على ما هو متوقع، لصح أن يقال في «لا رَجُلَ» بالفتح إن «لا» للاستفهام لا تدخل إلا جواباً لمن قال: هل من رجل، ونحوه، فالذي بعد «لا» مستفهم عنه من جهة شخص آخر، كما أن الماضي بعد «قد» متوقع كذلك. وعبارة ابن مالك في ذلك حَسَنة، فإنه قال: إنها تدخل على ماض متوقع، ولم يقل إنها تفيد التوقع، ولم يتعرض للتوقع في الداخلة على المضارع ألبتة، وهذا هو الحق.
  الثاني: تقريب الماضي من الحال، تقول: قام «زيد» فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد، فإن قلت «قَدْ قَامَ» اختص بالقريب.
  وانبني على إفادتها أحكام:
  قوله: (بمعنى أنها تدخل) الأولى انها تدل على التوقع أي: لأن المثبت يقول انها تدل على التوقع.
  قوله: (على ما هو متوقع) أي: على ما كان متوقعاً فيما مضى. قوله: (لصح) أي: مع أن ذلك لا يصح، وفرق بعض بأن لا موضوعة لنفي الجنس، ولا تدل على غيره بخلاف قد فإنها موضوعة للدلالة على التوقع والفعل كان من قبل مطلقاً وفيه أنه من أين يأتي أن الفعل كان من قبل مطلقاً وهي تدل على التوقع ولعل المصنف مراده مع هذا الجواب بما قاله. قوله: (الصح الخ) حاصله أنه لو ثبت التوقع لقد الداخلة على الماضي بحيث يكون المخاطب منتظراً للفعل لصح أن يقال أن لا النافية للجنس حرف استفهام؛ لأنها جواب للاستفهام المذكور أو المقدر والتالي باطل فكذا المقدم. قوله: (أن لا) أي؛ التي لنفي الجنس. قوله: (لا تدخل) أي: إما حقيقة أو تقديراً فإذا قيل ابتكاراً لا رجل في الدار يقدر أن سائلاً سأل المتكلم هل من رجل في الدار. قوله: (كذلك) أي: من شخص آخر فقد يقال لمنتظر الوقوع من شخص كما أن لا تدل المستفهم عن أمر من شخص آخر، والحاصل أن كلا من لا وقد يقال لأن لشخص آخر منتظر، وإن كان منتظراً في أحدهما الوقوع، وفي الآخر بيان المستفهم عنه.
  قوله: (في ذلك) أي: في بيان التوقع وحاصلها أنها تفيد أن قد لا تدل على التوقع أصلاً وإنما هي للتقريب وسيأتي تمام عبارته قبل الرافع من الأحكام. قوله: (ولم يقل) أي: ابن مالك. قوله: (ولم يتعرض الخ) أي: فكلامه يشير إلى أنها ليست للتوقع أصلاً، ولا في مضارع. قوله: (وهذا هو الحق) أي: فالتوقع حينئذ الذي يحصل إنما هو من القرينة. قوله: (القريب) أي: من زمن التكلم وقوله: البعيد أي: من زمن التكلم، وإذا علمت ذلك تعلم أن قد في قول المؤذن للتقريب ويكون من باب التعبير عن المستقبل بالماضي لتحقق الوقوع، أي: قد حان القيام لها.