فصل قد تخرج عن الاستفهام الحقيقي، فترد لثمانية معان
  محتمل لإرادة الاستفهام الحقيقي، بأن يكونوا لم يعلموا أنه الفاعل، ولإرادة التقرير، بأن يكونوا قد علموا، ولا يكون استفهاماً عن الفعل ولا تقريراً به؛ لأن الهمزة لم تدخل عليه، ولأنه عليه الصلاة والسلام قد أجابهم بالفاعِلِ بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء: ٦٣].
  فإن قلت: ما وَجْهُ حَمْل الزمخشري الهمزة في قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٠٦}[البقرة: ١٠٦] على التقرير؟
  قلت: قد أعتذرُ عنه بأن مراده التقرير بما بعد النفي، لا التقرير بالنفي، والأولى أن تُحْمَل الآية على الإنكار التوبيخي أو الإبطالي، أي ألم تعلم أيها المنكر للنسخ.
  والخامس: التَّهَكُمُ، نحو: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}[هود: ٨٧].
  والسادس: الأمر، نحو {أَأَسْلَمْتُمْ}[آل عمران: ٢٠] أي: أَسْلِمُوا.
  والسابع: التعجب، نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}[الفرقان: ٤٥].
  والثامن: الاستبطاء، نحو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا}[الحديد: ١٦].
  وذكر بعضُهم معاني أُخَرَ لا صحة لها.
  عندك أم عمرو وأعندك زيد أم في السوق. قوله: (كما يجب ذلك في المستفهم عنه) أي: أنه يجب أن يلي الهمزة كان مسنداً إليه، أو مسنداً قوله (بأن يكونوا) أي: الكفار لم يعلموا أنه أي إبراهيم الفاعل أي: لكسر الأصنام وفيه أن هذا يبعده قوله وتالله لأكيدن أصنامكم إلا أن يكون عقده في نفسه ولم يخاطبهم قوله: (ولا يكون) أي: الاستفهام في هذه الآية على كلا الوجهين استفهاماً عن الفعل أي: وهو كسر الأصنام. قوله: (ولا تقريراً به) أي: بحيث يكون مرادهم حمل إبراهيم على الإقرار بأن كسر الأصنام قد كان. قوله: (لأن الهمزة لم تدخل عليه) أي: وحينئذٍ فلا تكون للاستفهام عنه ولا للتقرير به ضرورة لأنها لو كانت كذلك لوجب إيلاء الفعل لها ولم يول قوله: (قد أجابهم بالفاعل) أي: فلو كان الاستفهام عن الفعل أو التقرير به لكان الجواب قد وقع الكسر أو لم يقع فلما قال بل فعله كبيرهم الخ دل على أن المراد التقرير بالفاعل وعلى أنه أجابهم بالفاعل ولم يرد حقيقة الاستفهام حتى يكون كذباً، وإنما هو تهكم وتبكيت قوله: (لأن الهمزة لم تدخل عليه) أي: ولأن الفعل معلوم بالمشاهدة قوله: (قد أجابهم بالفاعل) أي وشرط الجواب مطابقة السؤال فدل ذلك على أنه استفهام عن الفاعل أو تقرير به. قوله: (على التقرير) أي: مع أن المقرر به ما بعد الهمزة والذي بعدها النفي وهو غير مقرر به. قوله: (والأولى الخ) أي: وأما الاعتذار بما تقدم ففيه نظر لوجوب إيلاء المقرر به الهمزة.