قوله: (وجب مراعاة معناها)
  ٣٢٩ - اخْوَتِي، لاَ تَبْعَدُوا أبداً، ... وَبَلَى وَاللَّهِ قَدْ بَعِدُوا
  كلُّ مَا حَيٍّ، وَإِنْ أَمِرُوا، ... وارِدُ الحوض الذي وَرَدُوا
  وذلك في قولها: «أمروا»، فأما قولها: «ورَدُوا» فالضمير لـ «إخوتها»، هذا إن حملت «الحي» على نقيض «الميت» وهو ظاهر، فإن حَمَلْتَهُ على مُرَادف القبيلة فالجمع في «أمروا» واجب مثله في: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ٥٣}[المؤمنون: ٥٣]، وليس من ذلك {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}[غافر: ٥] لأن القرآن لا يُخَرَّجُ
  قوله: (لا تبعدوا) يقال بعد كفرح بمعنى هلك ويقال أيضاً بعد كقرب بمعنى ضد القرب ومصدر الثاني بضم الباء والأول بفتحها والبيت يحتملهما، وقوله: كل ما حي ما زائدة وكل مضاف وحي مضاف إليه وأمروا معناه كثروا أو عظموا حتى صارت لهم إمارة فجمع أمروا مع إن كل حي فيه الحكم على كل فرد ويستلزم الحكم على الجمع. قوله: (وذلك) أي: الشاهد في قولها أمروا وسكت عن قوله وارد ومع إنه اتصل به علامة الجمع الدالة على أن الضمير المستتر فيه ضمير جمع أيضاً نعم يستشهد به لعدم صحته لأنه وإن احتمل إنه جمع وإن الواو علامة رفع يحتمل أيضاً الإفراد ولا عبرة برسم الواو، وإنما العبرة باللفظ ولأن أمروا بضم الراء. قوله: (هذا) أي احتمال قول فاطمة الخزاعية لجمع الضمير مع إرادة الحكم على كل فرد.
  قوله: (فإن حملته على مرادف القبيلة الخ) وبهذا صح قوله سابقاً ويحتمل ذلك قوله الخ أي ويحتمل إنه ليس من ذلك إن أريد بالحي القبيلة فلا يكون على القليل فقوله، وإن حملته الخ مقابل لقوله ويحتمل ذلك قول فاطمة الخ. قوله: (فالجمع في أمروا واجب) أي: لأنه جمع في المعنى كحزب وفريق وقد تقدم وجوب مراعاة معنى كل إذا أضيفت لنكرة ولا يرد أن حزباً وفريقاً يجوز في ضمائرهما الإفراد نظراً للفظ والجمع نظراً للمعنى؛ لأن محل ذلك ما لم يضف لكل شيء من ذلك فالحاصل إن الكلام في كل وإن كان ما تضاف إليه يجوز في الضمير العائد عليه وجهان. قوله (وليس من ذلك) أي: من جمع الضمير مع إرادة الحكم على كل فرد وقوله كل أمة فاعل همت أي فليس المراد وهم كل فرد وجمع قوله برسولهم مع أن المراد الحكم على كل فرد لأن الأمة جمع معنى قوله: (وليس من ذلك) اعترض بأنه لا يتوهم أصلاً فأمة كحزب جمع معنى فيجب جمع
٣٢٩ - التخريج: البيتان لفاطمة بنت أحجم (أو الأخرم) الخزاعية في (شرح شواهد المغني ٢/ ٥٤٣؛ وبلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٩١٢).
اللغة: الوارد: القادم إلى الحوض والصادر: مغادره. الحوض: المكان الذي يجتمع فيه الماء. أمروا: صاروا أمراء، ومن أمِرَ الشيء كـ «فرح» بمعنى كثر واشتد.
المعنى: أيها الإخوة الأحباء، كنت أتمنى ألا تبعدوا عني، ولكنها أنتم قد هلكتم وبعدتم عني، وعزائي أن كل حي سيموت كما مات إخوتي، حتى لو كانوا أمراء، وسيشرب الجميع من حوض الموت الذي شربوا منه.