قوله: (وجب مراعاة معناها)
  وقوله عليه الصلاة والسلام: «كلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَه فَمُعْتَقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»، و «كلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ»، و «كُلْنَا لَكَ عَبْدٌ». ومن ذلك: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٣٦}[الإسراء: ٣٦]، وفي الآية حذف مضاف، وإضمار لما دل عليه المعنى لا اللفظ، أي أن كل أفعال هذه الجوارح كان المكلف مسؤولاً. عنه، وإنما قَدَّرْنا المضاف لأن السؤال عن أفعال الحواس، لا عن أنفسها، وإنما لم يقدّر ضمير {كَانَ} راجعاً لكلّ لئلا يخلو {مَسْئُولًا ٣٦} عن ضمير فيكون حينئذ
  قوله: (وكلنا لك عبد) الشاهد في لك لأنه خبر كل والتقدير كائن لك ويقدر كائن مفرداً آخذاً من قوله عبد وإلا لقال عبيد ويحتمل أن الشاهد في إفراد عبد ويجعل خبر كل لا فاعل لك لكن يكون خارجاً عن الموضوع لأن الموضوع في الضمير. قوله: (عنه) متعلق بمسؤولاً وهي من جملة الخبر والضمير عائد على كل أي كل أفعال أولئك كان المكلف مسؤولاً عنه، وإنما كان مسؤولاً من جملة الخبر لأن قوله كل مبتدأ وهو مضاف لمعرفة وهي أولئك بالنظر للظاهر وفي المعنى مضاف لأفعال، وقوله: كان فعل ماض واسمها ضمير عائد على المكلف ومسؤولاً خبر كان وعنه متعلق به وجملة كان واسمها وخبرها خبر عن قوله كل فمسؤولاً حينئذ من جملة الخبر. قوله: (أي أن كل أفعال الخ) هذا تفسير حاصل معنى الآية لا لإعرابها لأن تقرير الإعراب أن تفعل إن السمع والبصر والفؤاد كل أفعال هذه الجوارح الخ؛ لأن كل واقعة مبتدأ لا أنها اسم إن كما يوهما التقدير. قوله: (وإنما قدرنا المضاف) وهو الأفعال وقوله لأن السؤال الخ أي لأن التكليف بالأفعال لا بالحواس.
  قوله: (وإنما لم يقدر الخ) حاصله أننا وإنما جعلنا ضمير كان عائداً على المكلف المدلول عليه بالمعنى ولم نجعله راجعاً لكل المدلول عليه باللفظ لأنا لو جلنا ضمير كان لكن للزم عليه خلو مسؤولاً ولا يصح أن يقال أفعال هذه الجوارح مسؤولاً إذ المسؤول صاحبها لا هي فتعين خلو مسؤولاً عن الضمير، وإذا خلا عن ضمير تعين أن يكون نائب الفاعل غير ضمير وليس عند نائب فاعل إلا قوله عنه فيلزم عليه أن مسؤولاً مسند إلى عنه المتقدم عليه وهو لا يصح، وحاصل ما في الآية أننا نقدر مضافاً لأن الحواس لا تسأل ثم نقدر الضمير في كان للمكلف ويكون ضمير مسؤولاً عائداً على المكلف لأننا لو جعلنا ضمير كان عائداً على كل للزم عليه إن ضمير مسؤولاً كذلك فيفسد المعنى لأنه يفيد أن الأفعال مسؤولة، وإذا فسد المعنى خلو مسؤولاً عن ضمير، وإذا خلا عن ضمير تعين أن عنه نائب فاعل وهو غير صحيح لأن نائب الفاعل لا يتقدم فقوله لئلا يلزم خلو الخ فيه حذف أي لئلا يلزم على رجوع ضمير مسؤولاً فساد فتعين الخلو عن الضمير فيتعين أن نائب الفاعل عنه وهو فاسد لأنه يرده إن نائب الفاعل لا يتقدم، فإن قلت أن مذهب الكوفيين يجوز تقدمه قلت لا يجوز أن يخرج عليه القرآن لأنه ضعيف. قوله: (لئلا يخلو الخ) فإن قلت إن ضمير كان عائد على كل ويجعل ضمير مسؤولاً عائداً على المكلف