حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

قوله: (وجب مراعاة معناها)

صفحة 546 - الجزء 1

  قلت: هي كلمة واحدة شَدُّوا فيها بالتزام الحذف، ويُؤْنِسُكَ بذلك أن فيها شذوذين آخرين: إطلاق «ما» على الواحد ممن يعقل، وحذف العائد المرفوع بالابتداء مع قصر الصلة.

  وللوجه الأول مقربان: كثرة مجيء الماضي بعدها نحو: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ}⁣[النساء: ٥٦]، {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ}⁣[البقرة: ٢٠]، {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}⁣[هود: ٣٨]، {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا}⁣[نوح: ٧]، وأنَّ «ما» المصدرية التوقيتية شرط من حيث المعنى، فمن هنا احتيج إلى جملتين إحداهما مرتبة على الأخرى، ولا يجوز أن تكون شرطية مثلها في «مَا تَفْعَلْ أفعل» لأمرين: أن تلك عامة فلا تدخل عليها أداة العموم، وأنها لا ترد بمعنى الزمان على الأصح.


  قوله: (هي كلمة واحدة) أي: جملة واحدة قوله: (شذوا فيها) أي: فلا يقاس عليه غيره.

  قوله: (ويؤنسك بذلك) أي: ويرضيك بما ذكرناه لك من أن التزام حذف العائد في لا سيما زيد شاذ أن في هذه الكلمة شذوذين آخرين والشذوذ يجري على مثله فإذا انضم الشذوذ لمثله تأنس ورضي القائل به. قوله (شذوذين آخرين) أي: غير الشذوذ بالتزام الحذف. قوله: (وللوجه الأول) عطف على قوله ولهذا الوجه مبعد. قوله: (كثرة مجيء الماضي بعدها) اعترض بأن ما المصدرية توصل بالماضي والمضارع ولا كثرة لأحدهما فما معنى الترجيح بالماضي والجواب أن الترجيح بالماضي من حيث فعليته لا من حيث خصوصه فكأنه قال كثرة مجيء الفعل بعدها أي ولو كانت ما اسماً لكثرت بعدها الجملة الإسمية، وإنما خص الماضي نظراً للواقع في التركيب الذي فيه الكلام. قوله: (وإن ما المصدرية) أي: من حيث هي أي التي هي حرف مصدري يؤول مع ما بعده بمصدر وقوله التوقيتية أي التي أنيبت هي والفعل عن الوقت وليس المراد التي تقدر بالوقت لأن تلك يقال لها مصدرية ظرفية، وقوله: شرط من حيث المعنى أي وما الواقعة بعد كل شرط من حيث المعنى ألا ترى أن قولك كلما قمت قمت يعني أي وقت قمت فيه قمت.

  قوله: (ولا يجوز أن تكون) أي: ما المتصلة بكل وقوله شرطية أي صريحة في الشرطية لا في المعنى فقط. قوله: (إن تلك عامة) أي: لأن ما الشرطية عامة وقوله فلا تدخل عليها أداة العموم أي كل لعدم الفائدة، واعترض قوله إن العام لا تدخل عليه أداة العموم بأن أل الاستغراقية يجوز دخول كل عليها ويجوز دخول كل على الموصول كالتي والذي ويكون المقصود التأكيد قوله: (وإنها) أي: وإن ما الشرطية لا ترد الخ. قوله: (وإنها لا ترد بمعنى الزمان) هذا هو الأمر الثاني أي وما في كلما ترد للزمان فورودها له يبعد كونها شرطية فتعين أنها بمعنى الشرط لا أنها شرطية حقيقة.