حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

تنبيه - إذا قيل: «لا رجل في الدار»

صفحة 81 - الجزء 2

  تنبيه - إذا قيل: «لا رَجُلَ في الدار» بالفتح تعيَّن كونُها نافية للجنس، ويقال في توكيده «بل امرأة»؛ وإن قيل بالرفع تعيَّن كونها عاملة عمل «ليس»، وأمتنع أن تكون مُهملة، إلا إذا تكرَّرت كما سيأتي، واحتمل أن تكون لنفي الجنس وأن تكون لنفي الوَحْدَة، ويقال في توكيده على الأول «بل امرأة» وعلى الثاني «بل رجلان، أو رجال».

  وغلط كثير من الناس، فزعموا أن العاملة عمل «ليس» لا تكون إلا نافية لِلوَحْدَة لا غير، ويَرُدُّ عليهم نحو قوله [من الطويل]:

  تَعَزَّ فَلا شيء عَلَى الأَرْضِ بَاقِيَا ... وَلا وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَاقِيَا

  وإذا قيل: «لا رَجُلٌ ولا امرأة في الدار» برفعهما احتمل كون «لا» الأولى عاملة في الأصل عمل «إِنَّ»، ثم أُلغيت لتكرارها، فيكون ما بعدها مرفوعاً بالابتداء؛ وأن


  وهذا لا يحتاج لتأويل لأن المتنبي من المولدين وبنى كلامه على ظاهر قول النابغة، والمحتاج التأويل هو قول النابغة وهذا هو النكتة في قول المصنف وعليه بنى الخ، ولم يقل وقول المتنبي. قوله: (تعين كونها نافية للجنس) أي: أن كل فرد من أفراد الرجال منفي عنه الكون في الدار، وقوله ويقال في توكيده الخ وجهه أن بل تفيد تقرير النفي الذي قبلها وتثبت ضده لما بعدها وتقريره هو معنى التوكيد المعنوي، فإذا قلت بل امرأة فكأنك كررت جملة لا رجل مرتين قوله: (عمل ليس) أي: رافعة للاسم ناصبة للخبر. قوله: (وإلا لتكررت) أي: وإلا بأن قلنا إنها مهملة لتكررت وهي لم تتكرر هنا فتعين أنها عاملة عمل ليس والأولى حذف اللام من قوله لتكررت لأن جواب الشرط لا يقرن باللام إلا شذوذاً.

  قوله: (واحتمل أن تكون) أي: تلك العاملة عمل ليس وقوله لنفي الجنس أي فالمعنى الكون في الدار منفي عن كل رجل، وقوله: ولنفي الوحدة أي فالمعنى الكون في الدار منفي عن رجل واحد قوله: (بل رجلان) أي: بل الثابت له الكون في الدار رجلان أو رجال. قوله: (نافية للوحدة لا غير) تقدم للمصنف في مبحث غير إن قولهم لا غير لحن وقد وقع منه هنا ويقع له في مواضع تأتي وفي كلامه أيضاً العطف بلا النافية بعد تقدم إلا نحو ما قام أحد إلا زيد لا غيره، وقد مر الكلام على ذلك وسيأتي قريباً أيضاً. قوله: (فلا شيء على الأرض باقياً) أي: فإن المراد انتفاء البقاء عن جنس الشيء وليس المراد أن فرداً من الشيء انتفى عنه البقاء في الأرض وغيره لم ينتف عنه وهو باطل وهذا وجه الرد. قوله: (احتمل كون لا الأولى الخ) فلا الأولى لها احتمالان، وأما الثانية ففيها ثلاثة: أن تكون عاملة عمل ليس أو مهملة وما بعدها مبتدأ أو أنها زائدة تكراراً للأولى وما بعدها مرفوع بالعطف على المحل قوله: (ثم ألغيت) أي: فهي مهملة قوله: (فيكون ما بعدها مرفوعاً بها) وأما لو فتح ما بعد لا فيهما فيقدر لهما خبر واحد مثنى لتماثل العاملين عند