حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

القسم الثاني: اللام الزائدة

صفحة 94 - الجزء 2

  وهذا النوع مما أقيم فيه المسبب، مُقَام السبب، والأصل لا تكن ههنا فأراك، ومثله في الأمر {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}⁣[التوبة: ١٢٣]، أي: وأَغْلِظُوا عليهم ليجدوا ذلك؛ وإنما عدل إلى الأمر بالوُجْدَان تنبيهاً على أنه المقصود بالذات، وأما الإغلاظ فلم يُقصد لذاته، بل ليجدوه؛ وعكسه {لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}⁣[الأعراف: ٢٧]، أي: لا تَفْتَتنوا بفتنة الشيطان.

  واختلف في «لا» من قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}⁣[الأنفال: ٢٥] على قولين:

  أحدهما أنها ناهية، فتكون من هذا، والأصل لا تتعرَّضوا للفتنة فتصيبكم، ثم


  جمع حوراء والحور شدة بياض العين مع شدة سوادها والمدامع العيون سميت بذلك لأنها محل الدمع والكور الرحل والبيت للنابغة الذبياني، قاله لما تعدى قومه على حمى النعمان بن الحرث يقول لقومه: لا تفعلوا فينهب نساءكم وأراهم يبكين مردفات خلف الرجال. قوله: (وهذا النوع) أي: وهو ما كان المطلوب منه ترك المتكلم أي: ما دخلت لا الناهية فيه على المتكلم وهو جواب عما يقال أن الشأن أن الشخص لا ينهي نفسه فأجاب بأنه أقام المسبب وهو رؤية المتكلم عن السبب وهو كون المخاطب في ذلك المكان وهذا بالنظر لقوله: لا أرينك ههنا وأما قوله لا أعرفن ربرباً الخ، فلم يبين فيه ولعل التقدير لا تتعدوا فأعرف ربربا، فأقام المسبب وهو المعرفة مقام السبب وهو مرورهن عليه. قوله: (ومثله في الأمر) أي: مما أقيم فيه المسبب مقام السبب وهذا نظير؛ لأن الأمر أخو النهي إلا أن النهي طلب لترك. قوله: (أي وأغلظوا الخ) أي: وجدان الغلظة مسبب والسبب أغلاظهم قوله: (وإنما عدل عن الأمر بالوجدان) أي: وإنما عدل الأمر بالأغلاظ إلى الأمر بالوجدان، وقوله: على أنه أي وجدان الغلظة. قوله: (وأما الأغلاظ فلم يقصد لذاته) أي: لأنه غير محمود في ذاته وإنما يحتمد لما ينشأ عنه في بعض المواطن من إرهاب العدو والانة عريكته وإذعانه إلى الحق.

  قوله: (أي: لا تفتتنوا بفتنة الشيطان) حاصله أن فتنة الشيطان سبب في افتتان المؤمنين فعدل عن النهي عن الافتتان إلى النهي عن فتنة الشيطان ليحصل المقصود من باب أولى؛ لأنه إذا تسلط النهي على السبب الذي هو وسيلة إلى المقصود تسلط على المقصود من باب أولى قوله: (أحدهما أنها ناهية الخ) اعلم أنه وقع خلاف في لا هذه الآية فقيل أنها ناهية وهو نهي بعد أمر أي أنه كلام منقطع عما قبله كقولك: صل الصبح ولا تضرب زيداً فالأصل اتقوا فتنة، أي عذاباً، ثم قيل لا تتعرضوا للفتنة فتصيب الذين الخ، وهذا القول ذكره الزمخشري، وفات المصنف؛ وقيل: إن هذه الجملة صفة للفتنة قبلها على إضمار القول وهذا الذي ذكره المصنف؛ وقيل: لا نافية وعليه اختلف فقيل ان الجملة صفة لفتنة وهذا لم يذكره الزمخشري وذكره المصنف؛ وقيل: ان الفعل جواب