القسم الثاني: اللام الزائدة
  عدل عن النهي عن التعرض إلى النهي عن الإصابة، لأنَّ الإصابة مسببة عن التعرض، وأسند هذا المسبب إلى فاعله، وعلى هذا فالإصابة خاصة بالمتعرضين، وتوكيد الفعل بالنون واضح لاقترانه بحرف الطّلب مثل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا}[إبراهيم: ٤٢]، ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع؛ فوجب إضمار القول، أي واتقوا فتنةً مقولاً فيها ذلك، كما قيل في قوله [من الرجز]:
  ٤٠٥ - حَتَّى إِذَا جَنَّ الظَّلامُ وَاخْتَلَطَ ... جَاءُوا بِمَذْقِ هَلْ رَأَيْتَ الذِّنْبَ قط
  الثاني: أنها نافية واختلف القائلون بذلك على قولين: أحدهما: أن الجملة صفة لفتنة، ولا حاجة إلى إضمار قول، لأنّ الجملة خبريّة، وعلى هذا فيكون دخول النون شاذاً، مثله في قوله [من الطويل]:
  الأمر فعلم من هذا أن الأقوال أربعة ذكر المصنف منها ثلاثة، وكذلك الزمخشري.
  قوله: (فالإصابة خاصة بالمتعرضين) لأن الإصابة مسببة عن التعرض؛ لأن المعنى الأصلي لا تتعرضوا للفتنة فتصيبكم خاصة، أي: إن تعرضتم أصابتكم خاصة فعدل عن النهي عن السبب إلى المسبب وعبر عن المتعرضين للفتنة، بالذين ظلموا إظهاراً للصفة القبيحة التي يتصفون بها عند تعرضهم قوله: (ولكن وقوع الخ) قد علمت أن هذا وجه وبعضهم يجعل لا تصيبن استئناف نهي بعد أن أمرهم باتقاء الفتنة.
  قوله: (فلا الجارة الخ) الجارة إما منصوب بفعل محذوف على شريطة التفسير أو مرفوع بالابتداء وهو أولى لسلامته من الحذف والباء في بها للظرفية والضمير عائد على أرض الممدوح وكذا ضمير منها وتلحينها تلومنها، فالشاعر يقول للممدوح أنت لا تلوم الجارة التي دنت منك في أرضك ولا تمنعها من قربك وليس الضيف في أرضك محولاً مما أقام بل تكرم مثواه وتحسن إليه، ولا تحوله لغير أرضك تضرراً به ولو طالت إقامته وذلك آية الكرم والفضل، وقوله فلا الجارة الدنيا الخ تمامه:
  ولا الضيف فيها إن أناخ محولُ
٤٠٥ - التخريج الرجز للعجاج في (ملحق ديوانه ٢/ ٣٠٤؛ وخزانة الأدب ٢/ ١٠٩؛ والدرر ٦/ ١٠؛ وشرح التصريح ٢/ ١١٢؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٦١؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١/ ١١٥؛ وخزانة الأدب ٣/ ٣٠، ٥/ ٢٤، ٤٦٨، ٦/ ١٣٨؛ وشرح الأشموني ٢/ ٤٩٩؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٧٧؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٤١؛ وشرح المفصل ٣/ ٥٢، ٥٣؛ ولسان العرب ٤/ ٢٤٨ (خضر)، ١٠/ ٣٤٠ (مذق)؛ والمحتسب ٢/ ١٦٥؛ وهمع الهوامع ٢/ ١١٧).
شرح المفردات: جنّ الظلام: اشتدّ سواده. اختلط: اعتكر. المذق: اللبن المخلوط بالماء.
المعنى: يقول هاجياً قوماً بخلاء: لما حلّ الظلام قدّموا لنا لبناً ممزوجاً بالماء فصار شبيهاً بلون الذئب في كدرته.