وأما أوجه الحرفية
  ذلك مصدرية موصولة بالجملة الاسمية.
  الثالث: الباء، كقوله [من الخفيف]:
  ٥١٢ - فَلَئِنْ صِرْتَ لا تُحِيرُ جَوَاباً ... لَبِمَا قَدْ تُرَى وَأَنْتَ خَطِيبُ
  ذكره ابن مالك، وأن «ما» الكافة أحدثَتْ مع الباء معنى التقليل، كما أحدثت مع الكاف معنى التَّعليل في نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}[البقرة: ١٩٨]، والظاهر أن الباء والكاف للتعليل، وأن «ما» معها مصدرية، وقد سَلَّم أن كلاً من الكاف والباء يأتي للتعليل مع عدم «ما»، كقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}[النساء: ١٦٠]، {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ٨٢}[القصص: ٨٢] وأن التقدير: أعجب لعدم فلاح الكافرين؛ ثم المناسب في البيت معنى التكثير لا التقليل.
  قوله: (موصولة بالجملة الاسمية) أي: فالمعنى كن ككونك الذي أنت عليه وككون سيف عمرو وككونهم آلهة لهم. قوله: (لا تحير) أي: لا ترد جواباً بموتك وجواب إن محذوف هذا أي لم يقدح في فصاحتك فقد طالما خطبت في حياتك والمذكور بعد سبب الجواب المحذوف وأقيم المضارع وهو ترى مقام الماضي. قوله: (لا تحير) بضم التاء من أحار الجواب رجعه يقال كلمته فما أحار إلى جواباً يصف الشاعر بهذا شخصاً ميتاً أي إن صرت لا ترجع جواباً لمن يكلمك فكثيراً ما ترى أي ما رؤيت وأنت خطيب في حال الحياة بلسان المقال، وقد عبر بالمضارع عن الماضي لاستحضار الحال وبعد البيت:
  في مقال وما وعظت بشيء ... مثل وعظ بالصمت إذ لا تجيب
  والوعظ بالصمت بلسان حال الميت اعتبار قوله: (وإن ما الكافة) أي: وذكر إن ما الكافة وقوله معنى التقليل بالقاف. قوله: (أحدثت مع الياء معنى التقليل) بالقاف أي فمعنى البيت إن صرت لا ترد جواباً بموتك فهذا لا يقدح في فصاحتك لأنك قد رؤيت بقلة وأنت تخطب. قوله: (وإن ما معهما مصدرية) أي: لأن التقدير في الآية لأجل هدايته فالتعليل إنما أتى من الكاف وأما ما فهي قد أولت مع ما بعدها بمصدر التقدير في البيت لرؤيتك فالتعليل مأخوذ من الباء، وأما ما فهي مؤولة مع صلتها بمصدر قوله: (مع عدم ما) أي: فلا وجه لكون ما أحدثت معها ذلك التقليل الذي هو مفاد منها وحدها. قوله:
٥١٢ - التخريج: البيت لصالح بن عبد القدوس في (خزانة الأدب ١٠/ ٢٢١، ٢٢٢؛ والدرر ٤/ ٢٠٣؛ ولم أقع عليه في ديوانه؛ ولمطيع بن إياس في أمالي القالي ١/ ٢٧١؛ وشرح شواهد المغني ص ٧٢٠؛ وبلا نسبة في المقاصد النحوية ٣/ ٣٤٧؛ وهمع الهوامع ٢/ ٣٨).
اللغة: يحير يرد.
المعنى: لقد صرت لا ترد على من يناديك، وكثيراً ما رئيت واعظاً في الناس، وخير ما تعظ به الناس سكوتك، فكفى بالموت حسيباً.