وهذا فصل عقدته للتدريب في «ما»
  وَلَا أَوْلَادُهُمْ}[آل عمران: ١٠]، {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}[الليل: ١١]، {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة: ٢٨]، فـ «ما» فيهما محتملة للاستفهامية وللنافية، ويُرَجُحها تعينها في {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ}[الأحقاف: ٢٦]، والأرجح في {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ}[البقرة: ١٠٢] أنَّها موصولة عَطْفٌ على «السحر». وقيل: نافية فالوقف على «السحر»؛ والأرجح في {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ}[يس: ٦] أَنَّها النافية بدليل {وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ٤٤}[سبا: ٤٤]، وتحتمل الموصولة. والأظهر في {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[الحجر: ٩٤] المصدرية، وقيل: موصولة، قال ابن الشجري: ففيه
  (للاستفهامية) أي وكونها في محل نصب مفعول مطلق أو في محل رفع مبتدأ ما سبق كله يجري هنا. قوله (للاستفهامية) أي: أي إغناء يعني عنه ماله أو أي إغناء يغنيه عنه ماله. قوله: (وللنافية) أي: لم يغن عنه مال. قوله: (تعيينها) وجه التعيين توكيدها بالنفي في قوله تعالى لا أفئدتهم وذلك لأن الأصل التوافق.
  قوله: (والأرجح الخ) إنما جاء ذلك من آخر الآية وقوله إنها موصولة أي لتبادره للذهن والملكين بفتح اللام على قراءة الجمهور وهاروت وماروت بيان لهما فهما من الملائكة وأنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله تعالى فمن ثم جاء بعده وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر. قوله: (موصولة) أي: بمعنى الذي. قوله: (عطف على السحر) أي: فالمعنى يعلمون الناس السحر ويعلمونهم ما أنزل على الملكين، والمراد بإنزاله عليهما قذفه في قلوبهما لكن في هذا شيء لأن العطف يقتضي المغايرة والذي أنزل على الملكين هو السحر، والجواب إن هذا من قبيل عطف المرادف فهو خلاف الأصل أو إن العطف متغاير اعتباراً، فالسحر من حيث ذاته غيره من حيث الإنزال قوله: (وقيل نافية) أي: بناءً على أن المراد بهاروت وماروت داود وسليمان @ كما قيل. قوله: (ما أنذر آباؤهم النافية) أي: والمراد آباؤهم الأذنون، وأما أباؤهم الأعلون فمن زمن إسماعيل وقد وقعت النذارة فيهم وعلى هذا فقوله فهم غافلون متفرغ على نفي إنذار آبائهم. قوله: (بدليل وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) أي: فإن ما هنا نافية قطعاً ألا ترى إن قبله وما آتيناهم من كتب يدرسونها قال الدماميني ولا وجه للدلالة، فإن هذه الآية في نفي إنذارهم والأولى في نفي إنذار آبائهم ولم يذكر نفي إنذار آبائهم هنا أصلاً، وقد يقال ليس المراد وما أرسلنا لخصوص هؤلاء الموجودين قبلك من نذير لأنه إخبار بما هو معلوم بل المراد ما أرسلنا لهؤلاء القبائل التي أرسلت فيهم نذيراً قبلك والقبائل تصدق بآباء الموجودين الأقربين فحينئذٍ تجعل في آية الآباء نافية لأجل أن يوافق هذا.
  قوله: (وتحتمل الموصولة) أي: الاسمية كما هو المتبادر أي لتنذر قوماً الأمر الذي أنذره آباؤهم أو الحرفية لتنذر قوماً إنذار آبائهم وعلى هذا فالمراد آباؤهم الأعلون، وقوله فهم غافلون مرتبط بقوله إنك لمن المرسلين كما يقال أرسلت لفلان فهو غافل. قوله: (المصدرية) أي: أصدع بأمرك أي لهم. قوله: (فقيه) أي: على الموصولية خمسة حذوف