حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

وهذا فصل عقدته للتدريب في «ما»

صفحة 249 - الجزء 2

  خمسة حذوف؛ والأصل: بما تُؤمر بالصدع به فحذفت الباء فصار بالصّدْعِه فحذفت «أل» لامتناع جمعها مع الإضافة فصار بصَدْعِهِ، ثم حذف المضاف كما في {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}⁣[يوسف: ٨٢] فصار به ثم حذف الجارّ كما قال عمرو بن معد يكرب [من البسيط]:

  ٥٢٤ - أَمْرتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ... [فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَب]

  فصار: تُؤْمره، ثم حذفت الهاء كما حذفت في {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ٤١}⁣[الفرقان: ٤١] وهذا تقرير ابن جنّي.

  وأما {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}⁣[البقرة: ١٠٦] فـ «ما» شرطيّة، ولهذا جَزَمت، ومحلها


  إنما ارتكب خمسة الحذوف لأجل أن يكون جارياً على القياس في حذف العائد المجرور لأنه لا يحذف العائد المجرور إلا إذا كان مجروراً بمثل الحرف الذي جر الموصول أن يكون كل من الحرفين بعامل مماثل لما تعلق به الآخر، فقوله والأصل بما تؤمر بالصدع به العائد متعلق بمثل ما تعلق به الجار للموصول، ولو قال اصدع بما تؤمر به لم توجد تلك الشروط لاختلاف المتعلق لأن الباء الأولى متعلق بالصدع والثانية متعلقة بتؤمر. ثم حذف المضاف أي الصدع قوله: (واسأل القرية) تنظير في حذف المضاف وقوله ثم حذف الجار أي الباء في به قوله: (أمرتك الخير) أي: بالخير لأن أمر يتعدى بالباء وهذا هو الشاهد فحذف الباء وتمامه:

  فقد تركتك ذا مال وذا نَشَب

  النشب بالمعجمة المال الثابت كالعقار ويروى بالمهملة قوله: (أمرتك الخير) أي: بعد والفرق بين النصب بنزع الخافض وزيادة الجار وكون العامل يتعدى ولا يتعدى بغلبة أحد الاستعمالين واستوائهما. قوله: (فما شرطية) أي: أي آية ننسخها نأت الخ. قوله: (لهذا جزمت) أي: الشرط وما عطف عليه والجزاء قوله: (لا أي آية ننسخ) أي: لا أن


٥٢٤ - التخريج البيت لعمرو بن معد يكرب في (ديوانه ص ٦٣؛ وخزانة الأدب ٩/ ١٢٤؛ والدرر ٥/ ١٨٦؛ وشرح شواهد المغني ص ٧٢٧؛ والكتاب ١/ ٣٧؛ ولخفاف بن ندبة في ديوانه ص ١٢٦؛ وللعباس بن مرداس في ديوانه ص ١٣١؛ ولأعشى طرود في المؤتلف والمختلف ص ١٧؛ وهو لأحد الأربعة السابقين أو لزرعة بن السائب في خزانة الأدب ١/ ٣٣٩، ٣٤٢، ٣٤٣؛ ولخفاف بن ندبة أو للعباس بن مرداس في شرح أبيات سيبويه ١/ ٢٥٠؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤/ ١٦، ٨/ ٢٥١؛ وشرح المفصل ٨/ ٥٠؛ وكتاب اللامات ص ١٣٩؛ والمحتسب ١/ ٥١، ٢٧٢، والمقتضب ٢/ ٣٦، ٣٢١، ٨٦).

اللغة والمعنى: النشب: المال الأصيل من نقود وماشية.

يقول الشاعر لأحد أنسبائه: كن كريماً وافعل ما أمرت به، لأنني تركت لك الكثير من الأموال والماشية. وأغلب الظنّ أنّ هذا الكلام وجهه الشاعر إلى بنيه.