وهذا فصل عقدته للتدريب في «ما»
  وأما قوله تعالى: {فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ٨٨}[البقرة: ٨٨] فـ «ما» محتملة لثلاثة أوجه: أحدها: الزيادة، فتكون إما لمجرد تقوية الكلام مثلها في {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}[آل عمران: ١٥٩] فتكون حرفاً باتفاق، وقليلاً في معنى النفي مثلها في قوله [من الطويل]:
  [أنيخَتْ فَالْقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَةٍ] ... قَلِيلٌ بِها الأَصْوَاتُ الأَ بُغَامُهَا
  وإما لإفادة التقليل مثلها في «أكَلْتُ أكلاً مَّا»، وعلى هذا فيكون تقليلاً بعد تقليل، ويكون التقليل على معناه. ويزعم قوم أن «ما» هذه اسم كما قدمناه في {مَثَلًا مَا بَعُوضَةً}[البقرة: ٢٦]. والوجه الثاني: النفي، و «قليلا»: نعت لمصدر محذوف أو لظرف محذوف، أي: إيماناً قليلاً أو زمناً قليلاً، أجاز ذلك بعضهم، ويرده أمران: أحدهما أن «ما» النافية لها الصَّدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، ويسهل ذلك شيئاً ما على تقدير «قليلا» نعتاً للظرف؛ لأنهم يتسعون في الظرف، وقد قال [من الرجز]:
  قوله: (لمجرد تقوية الكلام) أي: للتقوية المجردة عن غيره من المعاني. قوله: (فبما رحمة) أي: فما زائدة ورحمة مجرورة بالباء وأتى بها لمجرد التقوية. قوله: (في معنى النفي) أي: فالمعنى لا يؤمنون قوله: (قليل الخ) أي: فقليل معناه النفي بدليل الاستثناء. قوله: (قليل بها الأصوات الخ) قليل نعت لبلدة في قوله قبله:
  أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة
  قليل الخ. قوله: (إلا بغامها) أي: فرفع قوله إلا بغامها دليل على أن ما قبله غير موجب أي ليس بها صوت قوله: (أكلت أكلاً ما) أي: أي أكل كان وتقدم إن ما هذه حرف لتوكيد النكرة أي لإفادة شيوعها قوله: (فيكون تقليلاً بعد تقليل) أي: والمعنى حينئذ تؤمنون إيماناً قليلاً جداً. قوله: (ويكون التقليل على معناه) أي: ليصح التفاوت فيه بتقليل بعد تقليل بخلافه على الأول فإن النفي عدم واحد قوله: (إن ما هذه اسم) أي: نكرة تامة بمعنى شيء وهذا القول مقابل للقول بالزيادة سواءً قلنا إنها للتوكيد أو لإفادة التقليل. قوله: (مثلاً ما بعوضة) أي: فيكون صفة لقليلاً أو بدلاً منه والمعنى فيؤمنون قليلاً شيئاً والراجح أنها حرف زائد لإفادة تقوية النكرة وشيوعها قوله: (أي إيماناً قليلاً) أي: لا يؤمنون إيماناً قليلاً أزمناً قليلاً قوله: (إن النافية لها الصدر) أي: وهذه خرجت عنه وعمل ما بعدها فيما قبلها وهذا مجاز أول من المجازين الآتيين خلافاً للمصنف. قوله: (ويسهل ذلك) أي: خروج ما عن الصدارة وقوله شيئاً ما أي أدنى سهولة لا تسهيلاً تاماً لتخصيص المصنف الاتساع بالشعر؛ قال الدماميني الظاهر أنه لا ينبغي أن يسهل عند المصنف ذلك ولا أدنى سهولة لأنه صرح في مبحث إذ بأن الاتساع في تقديم الظرف المعمول لما بعدما عليها مخصوص بالشعر والكلام في غيره بل في أفصح كلام. قوله: (نعتاً للظرف) أي: وإن المعنى لا يؤمنون زمناً قليلاً. قوله: (يتسعون في الظرف) أي: