حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (من): تأتي على خمسة عشر وجها:

صفحة 259 - الجزء 2

  الخامس: البدل: نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ}⁣[التوبة: ٣٨]، {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ٦٠}⁣[الزخرف: ٦٠]، لأن الملائكة لا تكون من الإِنسِ {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}⁣[آل عمران: ١٠]، أي بدل طاعة الله، أو بدل رحمة الله، «وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الجد» أي: لا ينفع ذا الحظ من الدنيا حظه بذلك، أي بدل طاعتك أو بدل حظك، أي بدل حظه منك؛ وقيل: ضُمن «ينفع» معنى «يمنع»؛ ومتى عُلقت «مِنْ» بالجد انعكس المعنى، وأما {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ}⁣[آل عمران: ٢٨] فليس من هذا خلافاً لبعضهم، بل «من» للبيان أو للابتداء، والمعنى: فليس في شيء من ولاية الله، وقال ابن مالك في قول أبي نخيلة [من الرجز]:


  فلا يكلم إلا حين يبتسم

  قوله: (الخامس البدل) أي: وهي التي يحل محلها بدل قوله: (أي بدل طاعة الله) أي: فالكلام على حذف مضاف قوله (الحظ): أي: لأن الجد بفتح الجيم معناه الحظ في الدنيا بالمال وأما على رواية الكسر فالمراد به الاجتهاد لكن هنا اجتهاد مخصوص أي الاجتهاد في الطاعة واعترض بأن الاجتهاد في الطاعة ينفع ويجاب بأنا لا نسلم أن المراد الاجتهاد في الطاعة بل المراد الاجتهاد في تحصيل الدنيا قوله: (وقيل ضمن ينفع معنى يمنع) أي: وعلى هذا فمن للابتداء أي لا يمنع الجد صاحبه منك أي منعاً ناشئاً منك ومنسوباً إليك كذا قرروا لأطهر جعلها للتعدية أي لا يمنعه من انتقامك. قوله: (انعكس المعنى) أي: فسد وصار المعنى عنه الحظ النفع هو من الله. قوله: (فليس من هذا) أي: من جعل من للبدل أي لأن النفي لا يصح لأن المعنى من يتول الكافرين بدل المؤمنين فليس في شيء بدل رحمة الله وهذا لا يصح لأنه في شيء بدل رحمة الله قطعاً ويجاب بأن المراد ليس بشيء يعبؤ به بدل رحمة الله بل هو في شيء لا يعبؤ به أو أنه نزل الشيء الذي هو فيه منزلة العدم لعدم النفع به.

  قوله: (في شيء) خبر ليس واسمها ضمير يعود على من يفعل وقوله من ولاية الله أي الذي هو ولاية الله إذا أردت البيان أو ناشئاً من ولاية الله إذا أردت الابتداء. قوله: (في قول أبي نخيلة) بالنون والخاء المعجمة.


= المرتضى ١/ ٦٨؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي. ص ١٦٢٢؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٧٣٢؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٥١٣، ٣/ ٢٧٣؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ١٨٣؛ وشرح المفصل ٢/ ٥٣).

شرح المفردات: يغضي: يخفض جفنه. المهابة: الاحترام.

المعنى: يقول: إنّه يغض الطرف حياء، ولكنّ الناس لفرط مهابته لا يرفعون إليه بصرهم إلا إذا ابتسم لهم.