حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

(هل): حرف موضوع لطلب التصديق الإيجابي

صفحة 327 - الجزء 2

  والمراد بالإنسان الجنس بدليل: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ}⁣[الإنسان: ٢] اهـ.

  وفسرها غيره بـ «قَدْ» خاصة، ولم يحملوا قد» على معنى التقريب، بل على معنى التحقيق؛ وقال بعضهم: معناها التوقع، وكأنه قيل لقوم يتوقعون الخبر عما أتى على الإنسان وهو آدم عليه الصلاة والسلام قال: والحين زمن كونه طيناً، وفي تسهيل ابن مالك أنه يتعيّن مُرَدافةُ «هل» لـ «قد» إذا دخلت عليها الهمزة يعني كما في البيت؛ ومفهومه أنها لا تتعيَّن لذلك إذا لم تدخل عليها، بل قد تأتي لذلك كما في الآية، وقد لا تأتي له، وقد عكس قوم ما قاله الزمخشري، فزعموا أن «هل» لا تأتي بمعنى «قد» أصلاً.

  وهذا هو الصَّوابُ عندي؛ إذ لا متمسك لمن أثبت ذلك إلا أحد ثلاثة أمور:

  أحدها: تفسير ابن عباس ®، ولعله إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير، وليس باستفهام حقيقي، وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين، فقال بعضهم: «هل» هنا للاستفهام التقريري، والمقرَّرُ به من أنكر البعث، وقد علم أنهم


  قوله: (والمراد الجنس) أي: والمراد بالإنسان الجنس المتحقق في الأفراد أي في بعضها لخروج آدم فإنه ليس من نطفة. قوله: (بدليل الخ) أي: فإن المخلوق من النطفة بعض أفراد الإنسان لا كلها ألا ترى آدم عليه الصلاة والسلام قوله: (وفسرها غيره بقد) أي: وهذا يوافق ما مشى عليه المصنف أولاً في قوله العاشر، ولما ذكره المبرد في المقتضب من أن هل تارة تكون للاستفهام وتارة تكون بمعنى قد قوله: (بل على معنى التحقيق) أي: فالمعنى قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن فيه شيئاً مذكوراً تحقيقاً وهذا أقرب في الحمل مما قاله الكشاف قوله: (وقال بعضهم معناها) أي: هل في هذه الآية. قوله: (يتوقعون) أي: ينتظرون قوله: (لا تتعين لذلك) أي: المرادفة قد بل قد تكون مرادفة لها وقد لا تكون قوله: (وقد عكس قوم) هذا رابع الأقوال في هل وحاصلها أن هل تارة تكون بمعنى قد وتارة لا من غير تعيين أن تكون داخلة عليها الهمزة أو لا، الثاني أنها تكون بمعنى قد دائماً الثالث أنها يتعين كونها بمعنى قد إن دخلت عليها الهمزة وإلا فلا يتعين كونها بمعناها بل تارة تكون وتارة لا تكون الرابع أنها لا تكون بمعنى قد أصلاً.

  قوله: (ولعله الخ) حاصله أن تفسير ابن عباس هل بقد لا يدل على أن قد بمعنى هل لأنه يمكن أنه إنما فسر هل بقد لأنه أراد أن هل للاستفهام التقريري والتقرير معناه التحقيق وهو معنى قد فقد طرق الدليل الاحتمال فسقط الاستدلال به. قوله: (والمقرر به) أي: والمأمور بالإقرار به قوله: (من أنكر البعث) أي: حيث قالوا: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}⁣[الرعد: ٥] وهم عالمون بأنه قد مضى على الإنسان دهر لم يكن شيئاً مذكوراً، فقال لهم هل أتى على الإنسان الخ فيقولون نعم، ثم تنقلهم من تقريرهم ذلك