(هل): حرف موضوع لطلب التصديق الإيجابي
  يقولون: نعم، قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه فيقال لهم: فالذي أحْدَثَ الناس بعد أن لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم؟ وهو معنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ٦٢}[الواقعة: ٦٢]، أي: فهلا تذكرون فتعلمون أنهُ مَنْ أنشأ شيئاً بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد عَدَمِه؟ انتهى.
  وقال آخرُ مثل ذلك، إلا أنه فسَّر الحين بزمن التصوير في الرحم، فقال: المعنى ألم. يأتِ على الناس حين من الدهر كانوا فيه نُطفاً ثم عَلقاً ثم مُضَغَاً إلى أن صاروا شيئاً مذكوراً وكذا قال الزجاج، إلا أنه حمل الإنسان على آدم عليه الصلاة والسلام، فقال: المعنى ألم يأتِ على الإنسان حين من الدهر كان فيه تُرَاباً وطِيناً إلى أن نفخ فيه الروح؟ اهـ.
  وقال بعضهم: لا تكونُ «هل» للاستفهام التقريري، وإنما ذلك من خصائص الهمزة، وليس كما قال، وذكر جماعة من النحويين أن «هَلْ» تكونُ بمنزلة «إِنَّ» في إفادة التوكيد والتحقيق وحملوا على ذلك {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ٥}[الفجر: ٥] وقدروه جواباً للقسم، وهو بعيد.
  والدليل الثاني: قول سيبويه الذي شافَة العربَ وفَهِمَ مقاصدهم، وقد مضى أنَّ
  إلى أن يقال لهم إن الذي أحدث الناس بعد لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم، فقد علمت أن فائدة تقريرهم. يما عالمون به الانتقال إلى إقرارهم بالبعث. قوله: (فيقال لهم) أي: في الجواب. قوله (مثل ذلك) أي: أن هل للتقرير والمقرر من أنكر البعث.
  قوله: (إلا أنه فسر الحين بزمن التصوير الخ) أي: لا بزمن كونه نطفة في أصلاب الآباء. قوله: (وكذا قال الزجاج) أي: قال إنها للاستفهام التقريري إلا أنه حمل الإنسان على آدم كما أن الأول حمله على غيره كما علمت وفسر الزجاج الحين بزمن الكون تراباً بخلاف الأول فإنه فسره بزمن التصوير في الرحم. قوله: (وقال بعضهم الخ) القصد من نقل ذلك الكلام الرد على من قال من المفسرين إن هل للاستفهام التقريري. قوله: (وذكر الخ) الأولى تأخيره آخر الباب إذ لا مدخل له في الدليل قوله: (هل في ذلك) أي: إن في ذلك. قوله: (جواباً للقسم) هو قوله والفجر. قوله: (وهو بعيد) أي: لفظاً لأنه لم يعهد أن هل بمعنى أن ومعنى لأنه لا يصلح أن يكون جواباً إذ لا تتم به الفائدة لأن المعنى أقسم بالفجر أن في ذلك القسم قسماً الذي عقل فالحق أن هذه الجملة معترضة لتقوية القسم بأنه كافٍ لكل ذي عقل أو جواب القسم محذوف دل عليه سياق الكلام أي الفجر الخ أنكم لتعذبون يا أهل مكة بدليل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦}[الفجر: ٦] الخ.