حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجمل التي لا محل لها من الإعراب

صفحة 398 - الجزء 2

  جملة العامل الملغى لتأخره، نحو: «زَيْدٌ قائم أظنّ»، فأما العامل الملغى لتوسطه نحو: زيد أظن قائم فجملته أيضاً لا محلّ لها إلا أنها من باب جُمَل الاعتراض.

  ويخص البيانيون الاستئناف بما كان جواباً لسؤال مقدر نحو قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ٢٤ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ٢٥}⁣[الذاريات: ٢٤ - ٢٥] فإنَّ جملة القولِ الثَّانية جواب لسؤال مقدر تقديره: فماذا قال لهم؟ ولهذا فُصِلَتْ عن الأولى فلم تُعطف عليها؛ وفي قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ٢٥}⁣[الذاريات: ٢٥] جملتان حُذِف خبرُ الأولى ومُبْتَدأُ الثانية، إذ التقديرُ: سلام عليكم، أنتم قوم منكرون، ومثله في استئناف جملة القول الثانية {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٥١ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ٥٢}⁣[الحجر: ٥١ - ٥٢]، وقد استؤنفت جُمْلتا القولِ في قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ}⁣[هود: ٦٩]؛ ومن الاستئناف البياني أيضاً قوله [من الكامل]:

  ٦١٥ - زَعَمَ الْعَوَاذِلُ أنَّنِي فِي غَمْرَةٍ ... صَدَقُوا وَلكِنْ غَمْرَتِي لَا تَنْجَلِي


  قوله: (إلا إنها من باب جمل الاعتراض) أي: لا من جمل الاستئناف التي كلامنا فيها فلا تراد هنا. قوله: (ويخص البيانيون الاستئناف الخ) أي: وأما النحاة فقالوا هي المنقطعة عما قبلها سواءً كانت جواباً عن سؤال لا فالاستئناف عندهم أعم. قوله: (فإن جملة القول الثانية) وهي قال سلام قوله: (ولهذا) أي: لأجل انقطاعها قوله: (فلم تعطف عليها) تفسير لقوله فصلت لما بين الجملتين من شبه كمال الانقطاع وأما دخول واو الاستئناف على الجملة المستأنفة فلا يمتنع على الأظهر نحو: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ}⁣[التوبة: ١١٤] الآية بعدما كان للنبي الآية فإنه جواب عما يقال كيف استغفر إبراهيم لأبيه ومن منع دخول الواو مطلقاً على الجملة المستأنفة قال الاستئناف البياني ما كان جواباً لسؤال عن شيء مصرح به في الجملة الأولى وليس هذا منه تأمل. قوله: (قال إنا منكم وجلون) هذا محل الشاهد فإنه جواب عما يقال ماذا قال لهم حين سلموا عليه. قوله: (قالوا سلاماً) أي: ماذا قالوا له فأجاب وقال قالوا سلاماً ثم سأل وقيل ماذا قال لهم فأجاب، وقال قال سلام. قوله: (العواذل) جمع عاذلة بمعنى جماعة عاذلة فلذا ذكر الضمير لا جمع عادل لأن فاعلاً لا يجمع على فواعل.


٦١٥ - التخريج: البيت بلا نسبة في (شرح شواهد المغني ٢/ ٨٠٠؛ ومعاهد التنصيص ١/ ٢٨١).

اللغة: زعم: ادعى كذباً. العواذل اللائمون الغمرة ذروة الشدّة في الشيء. تنجلي: تتضح وتظهر.

المعنى: يتشدق اللائمون بأني سفيه، جاهل، ولست مكذباً لهم فليس بالإمكان أفضل مما كان.