تنبيهات - الأول
  فإن قوله «صدقوا» جواب لسؤال مقدر تقديره: أصدقوا أم كَذَبُوا؟ ومثله قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ٣٦ رِجَالٌ}[النور: ٣٦ - ٣٧]، فيمن فتح باء {يُسَبِّحُ}.
  تنبيهات - الأول: من الاستئناف ما قد يخفى، وله أمثلة كثيرة.
  أحدها {لَا يَسَّمَّعُونَ} من قوله تعالى: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ٧ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى}[الصافات: ٧، ٨] فإن الذي يتبادر إلى الذهن أنه صفة لكل شيطان أو حال منه، وكلاهما باطل إذ لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع، وإنما هي للاستئناف النحوي، ولا يكون استئنافاً بيانياً لفساد المعنى أيضاً. وقيل: يحتمل أن
  قوله: (رجال) فاعل لمحذوف أي يسبحه رجال وهو جواب عن سؤال تقديره من يسبح. قوله: (فيمن فتح باء يسبح) أي: وهو شعبة وأما من كسرها فرجال فاعل يسبح المذكورة فليس قوله رجال جملة قوله: (إنه صفة) أي: فتكون الجملة في محل جر وقوله أو حال أي فتكون في محل نصب. قوله: (إنه صفة) أي: على قاعدة الجمل بعد النكرات وقوله أو حال أي لوجود المسوغ وهو الوصف بما رد قوله: (من شيطان لا يسمع) أي: موصوف بكونه لا يسمع وهذا تعليل لبطلان الصفة والحال، أما الصفة فظاهر، وأما الحال فهي وصف في المعنى قوله: (من شيطان لا يسمع) قد يجاب بأن المراد لا يسمع حال الحفظ بسبب ذلك الحفظ وهذا كلام لا غبار عليه فالصفة حينئذ ظاهرة والإيراد إنما يتأتى على أن المراد موصوفون بعدم السماع من قبل الحفظ اهـ تقرير شيخنا دردير. قوله: (للاستئناف النحوي) أي: إنه ابتداء بيان حال الشياطين والمعنى أن الشياطين لا يسمعون للملأ الأعلى قال الدماميني إذا كانت للاستئناف النحوي يكون قد أخبر عن الشياطين المتحفظ منهم بعدم السماع، وحينئذ فيعود الإشكال بأنه كيف يتحفظ من شيطان لم يسمع في نفس الأمر إذا المتحفظ منه من يسمع، فإن قلت إن المراد لا يسمعون بعد الحفظ قلنا قدر ذلك في الصفة ويكون المعنى لا غبار عليه فما بالك قدرته في الاستئناف النحوي دون الصفة أن المعنى على كل عليه ظاهر فهذا تحكم، وأجاب مع الشمني بأنه إخبار عن حال الشياطين لا يوصف كونهم محفوظاً منهم، وفيه أنه لا يصح الإخبار عنهم بعدم السماع مع قطع النظر عن الحفظ لأنهم يسمعون في نفس الأمر وما أتى عدم السماع إلا من الحفظ وإلا لما كان للحفظ معنى.
  قوله: (لفساد المعنى) أي لأنه يكون جواباً عن سؤال وهو أنه يقال لم حفظت أنه السماء الدنيا من الشياطين فأجاب لأنهم موصوفون بعدم السماع من قبل الحفظ واعلم إنما يحصل الفساد إذا جعل جواباً عن سؤال عن العلة أي لم حفظت السماء من الشياطين، وأما إن جعل جواباً عن السؤال عن حالة الشياطين أي ما حال هؤلاء الشياطين بعد الحفظ فأجاب بأن حالهم أنهم لا يسمعون إلا الملأ الأعلى كان الكلام مستقيماً