حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجملة الثانية: المعترضة بين شيئين لإفادة الكلام تقوية وتسديدا أو تحسينا

صفحة 425 - الجزء 2

  الإعراب؛ وعلى قولهم يتخرج الحديث «لا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ» وأما على قول البصريين فيجب تنوينه ولكن الرواية إنما جاءت بغير تنوين.

  وقد اعترض ابن مالك قول أبي علي بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ}⁣[النحل: ٤٣، ٤٤]، وبقول زهير [من الوافر]:

  ٦٣٦ - لَعَمْرُكَ، والخُطُوبُ مُغَيْرَاتٌ ... وَفِي طُولِ المُعَاشَرَةِ التّقَالِي

  لَقَدْ بَالَيْتُ مَظْعَنَ أُمِّ أَوْفَى ... وَلَكِنْ أُمَّ أَوْفَى لا تُبالي


  الاسم المطول في ذلك أي في ترك التنوين والمراد بالاسم المطول الشبيه بالمضاف.

  قوله: (كما أجري) أي: الاسم المطول مجراه أي المضاف مجري في الإعراب وهو النصب. قوله: (يتخرج الحديث) أي: فلا فيه نافية للجنس ومانع اسمها منصوب وترك تنوينه إجراء له مجرى المضاف وقوله لما متعلق بقوله مانع وخبر لا محذوف وكذا يقال في ولا معطي قوله: (ولكن الرواية) أي: في الحديث إنما جاءت بغير تنوين أي وهذا يرد على البصريين وقد يقال للبصريين أن يجعلوا مانع اسم لا مفرداً مبنياً لتركيبه معها تركيب خمسة عشر أو لتضمنه معنى من الاستغراقية والخبر محذوف أي لا مانع مانع لما أعطيته واللام للتقوية فلك أن تجعلها متعلقة بالخبر المحذوف، وأن تجعلها غير متعلقة كما سبق في بحث اللام وكذا تقول في ولا معطي لما منعت وسهل الحذف ذكر مثل ما حذف وحسنه دفع التكرار فظهر من ذلك التنوين على رأي البصريين ممتنع لا واجب، فظهر لك أن الحديث يخرج عند البصريين على وجه جائز وهو التعليق بمحذوف وهذا مناف للحصر المفاد من تقديم المعمول في قوله وعلى قولهم يتخرج الحديث. قوله: (أبي علي) إنه لا يعترض بأكثر من جملة قوله: (إلا رجالا) أي: لا ملائكة. قوله: (فاسألوا أهل الذكر) أي: عن ذلك فإنهم يعلمونه والمراد بهم العلماء بالتوارة والإنجيل.

  قوله: (بالبينات) أي: الحجج الواضحة والزبر أي الكتب أي فإن قوله بالبينات متعلق بأرسلنا واعترض بقوله فاسألوا أهل الذكر وبقوله إن كنتم لا تعلمون. قوله: (والخطوب) أي: الأمور الصعبة الشديدة أسباب لتغير الإنسان وانقلابه عما يعهد منه. قوله: (وفي طول المعاشرة التقالي) أي: التباغض لأن طولها موجب لملل المتعاشرين وسآمة كل منهما من الآخر وذلك مظنة وقوع البغضاء قوله: (لقد باليت الخ) جواب


٦٣٦ - التخريج: البيتان لزهير بن أبي سلمى (في ديوانه ص ٣٤٢؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٢١؛ واللامات ص ٨٤).

اللغة: الخطوب: ج خطب، الأمر الصعب. التقالي: التباغض.

المعنى: إن الشدائد من أسباب تغير الناس، كما أن طول المعاشرة بينهم يورث البغض والنفور، ومع ذلك فقد اهتممت لرحيل أم أوفى، أما هي فلم تبال بذلك.