حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجملة الثالثة التفسيرية

صفحة 435 - الجزء 2

  أمثلة توضحها:

  أحدها: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}⁣[الأنبياء: ٣] فجملة الاستفهام مفسّرة للنجوى، و «هل» هنا للنفي، ويجوز أن تكون بدلاً منها إن قلنا: إن ما فيه معنى القول يعمل في الجمل، وهو قول الكوفيين، وأن تكون معمولة لقول محذوف، وهو حال مثل: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ٢٣ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}⁣[الرعد: ٢٣، ٢٤].

  الثاني: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٥٩}⁣[آل عمران: ٥٩]، فـ «خلقه» وما بعده تفسير لـ «مثل آدم»، لا باعتبار ما يُعْطِيه ظاهر لفظ الجملة من كونه قدرَ جَسَداً من طين ثم كونَ بل باعتبار المعنى، أي: إن شأن عيسى كشأن آدم في الخروج عن مستمر العادة وهو التولد بين أبوين.

  والثالث: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ١٠ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}⁣[الصف: ١٠ - ١١]، فجملة «تؤمنون» تفسير لـ «التجارة»، وقيل: مستأنفة معناها الطلب، أي


  خرج جملة الصلة فإنها كاشفة لحال ما تليه لا لحقيقته على أنها ليست فضلة لتوقف المعنى عليها فهي خارجة عن الجنس. قوله: (مفسرة للنجوى) أي: أن الكلام تناجوه وأسروه هو هل هذا إلا بشر الخ. قوله: (ويجوز أن تكون) أي: جملة الاستفهام وقوله بدلاً منها أي فلها محل على هذا كما أن لها محلاً على الحال قوله: (إن قلنا الخ) أي لأن البدل على نية تكرار العامل فيكون العامل في جملة البدل أسروا. قوله: (وهو قول الكوفيين) أي: وقال البصريون لا تعمل قوله: (وأن تكون) أي: جملة الاستفهام معمولة وهو أسروا لأن معناه قالوا قولاً سراً قوله: (لقول) أي: قالوا أو قائلين. قوله: (سلام عليكم) أي: قائلين أو قالوا سلام عليكم.

  قوله: (إن مثل عيسى) أي: صفته وحالته الغريبة كمثل آدم أي صفته وحالته الغريبة. قوله: (لا باعتبار الخ) مرتبط بمحذوف أي وهذا التشبيه لا باعتبار الخ لأن ظاهر اللفظ أن التشبيه في أن عيسى خلق من تراب كآدم وليس مراداً بل المراد أن مثل عيسى كمثل آدم في كون كل مخالفاً للعادة وبهذا التقرير اندفع ما يقال أن قوله لا باعتبار ظاهره أنه متعلق بتفسير فيرد عليه أنا لا نسلم إنه تفسير لا باعتبار الخ بل هو تفسير باعتبار اللفظ قطعاً إنما هذا الذي يقوله في الجامع بين مثل عيسى ومثل آدم قوله (عن مستمر العادة) أي: عن العادة المستمرة. قوله: (وهو التولد بين أبوين) أي: وهذا قدر مشترك بينهما. قوله: (وقيل مستأنفة) أي: وقال الزجاج إنها مستأنفة فلا محل لها، وقوله معناها الطلب والاستئناف عند هذا القائل بياني كأنه لما قيل: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ١٠}⁣[الصف: ١٠] قالوا كيف نعمل فقال تؤمنون بمعنى آمنوا كذا نقل عن سيبويه ويؤيده