كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره

صفحة 16 - الجزء 5

  - الصنيّ: شعب صغير يسيل منه الماء. وصدّان: جبلان -.

  أنابغ إن تنبغ بلؤمك لا تجد ... للؤمك إلَّا وسط جعدة مجعلا

  تعيّرني داء بأمّك مثله ... وأيّ حصان⁣(⁣١) لا يقال لها هلا

  فغلبته. فلما أتى بني جعدة قولها هذا، اجتمع ناس منهم فقالوا: واللَّه لنأتين صاحب المدينة، أو أمير المؤمنين، فليأخذنّ لنا بحقّنا من هذه الخبيثة، فإنها قد شتمت أعراضنا وافترت علينا، فتهيّئوا لذلك؛ وبلغها أنهم يريدون أن يستعدوا عليها، فقالت:

  /

  أتاني من الأنباء أنّ عشيرة ... بشوران⁣(⁣٢) يزجون المطيّ المذلَّلا⁣(⁣٣)

  يروح ويغدو وفدهم بصحيفة ... ليستجلدوا لي، ساء ذلك معملا

  وقد أخبرني ببعض هذه القصّة أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبّة فجاء بها مختلطة، وهذا أوضح وأصحّ.

  يوم وادي نساح:

  قال أبو عمرو: فأما ما فخر به النابغة من الأيام، فمنها يوم علقمة الجعفيّ، فإنه غدا في مدحج ومعه زهير الجعفيّ، فأتى بني⁣(⁣٤) عقيل بن كعب فأغار عليهم، وفي بني عقيل بطون من سليم يقال لهم بنو بجلة، فأصاب سبيا وإبلا كثيرة، ثم انصرف راجعا بما أصاب، فاتّبعه بنو كعب، ولم يلحق به من بني عقيل إلا عقال بن خويلد بن عامر بن عقيل، فجعل يأخذ أبعار إبل الجعفيّين فيبول عليها حتى يندّيها، ثم يلحق ببني كعب فيقول: إيه فدى لكم أبواي، قد لحقتم القوم؛ حتى وردوا عليهم النخيل في يوم قائظ، ورأس زهير في حجر جارية من سليم من بني بجلة سباها يومئذ وهي تفليه، وهو متوسّد قطيفة حمراء وهي تضفر سعفاته - أي أعلى رأسه - بهدب القطيفة؛ فلم يشعروا إلا بالخيل؛ فكان أوّل من لحق زهيرا ابن النهّاضة⁣(⁣٥)، فضرب وجه زهير بقوسه حتى كسر أنفه، ثم لحقه عقال بن خويلد، فبعج بطنه، فسال من بطنه برير وحلب - والبرير: ثمر الأراك. والحلب: لبن كان قد اصطبحه - / فذلك يوم يقول أبو حرب أخو عقال بن خويلد: واللَّه لا أصطبح لبنا حتى آمن من الصّباح⁣(⁣٦). قال: وهذا اليوم هو يوم وادي نساح وهو باليمامة.

  يوم شراحيل:

  قال: وأمّا يوم شراحيل⁣(⁣٧) بن الأصهب الجعفيّ فإنه يوم مذكور تفتخر به مضر كلَّها. وكان شراحيل خرج


(١) كذا في م. وفي كتاب «أشعار النساء» للمرزباني: «وأيّ جواد لا يقال لها هلا»، والجواد يطلق على الأنثى أيضا. وفي سائر الأصول: «وأي نجيب لا يقال له ...» وقد آثرنا ما في م لقول «اللسان» (مادة هلا): ... هلا زجر للخيل وقد يستعمل للإنسان ...» واستشهد بالبيت كما ورد في م. وعلى هذا تكون الحصان (بفتح الحاء) المرأة العفيفة.

(٢) شوران (بفتح أوله وإسكان ثانيه بعده راء مهملة): جبل في ديار بني جعدة وهو مطل على السّدّ، وفيه مياه سماء يقال لها البحرات، فيها سمك أسود مقدار الذراع أطيب ما يكون وأمرؤه. (راجع «معجم ما استعجم» ص ٤٦٢، ٨٢٢).

(٣) في «أشعار النساء» للمرزباني «ومعجم ما استعجم»: «المنعلا»، ونعّل البعير: وضع في خفه جلدا لئلا يحفى.

(٤) كذا في م، وكذلك صححه المرحوم الشيخ الشنقيطي بنسخته. وفي سائر الأصول: «فأتى به عقيل»، وهو تحريف.

(٥) في م: «ابن النفاضة».

(٦) الصباح: الغارة صبحا.

(٧) انظر الحاشية رقم ٦ ص ١٥ من هذا الجزء.