أخبار حجية بن المضرب
١٩ - أخبار حجية بن المضرب(١)
  تجعله عائشة مثلا في بر صبية لأخيه مات عنهم:
  حدّثني ابن عمار، قال: حدثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، وأخبرنا به وكيع عن إسماعيل بن إسحاق، عن سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثني المحبر بن قحذم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:
  لما قدم القاسم بن محمد بن أبي بكر وأخته من مصر - وأخبرني بهذا الخبر محمد بن أبي الأزهر، قال:
  حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، عن الهيثم بن عديّ، عن عوانة، قال: كان القاسم بن محمد بن أبي بكر يحدث، قال:
  لما قتل معاوية بن حديج الكنديّ وعمرو بن العاص أبي - يعني محمد بن أبي بكر بمصر - جاء عمي عبد الرحمن بن أبي بكر فاحتملني وأختا لي من مصر. وقد جمعت الروايتين واللفظ لابن أبي الأزهر، وخبره أتمّ قال.
  فقدم بنا المدينة، فبعثت إلينا عائشة، فاحتملتنا من منزل عبد الرحمن إليها، فما رأيت والدة قط، ولا والدا أبرّ منها، فلم نزل في حجرها(٢) حتى إذا كان ذات يوم وقد ترعرعنا ألبستنا ثيابا بيضاء، ثم أجلست كل واحد منا(٢) على فخذها، ثم بعثت إلى عمّي عبد الرحمن، فلما دخل عليها تكلَّمت فحمدت اللَّه ø وأثنت عليه. فما رأيت متكلَّما ولا متكلمة قبلها ولا بعدها أبلغ منها، ثم قالت:
  يا أخي إني لم أزل أراك معرضا عني منذ قبضت هذين الصبيّين منك، وو اللَّه ما قبضتهما تطاولا عليك، ولا تهمة لك فيهما، ولا لشيء تكرهه، ولكنك كنت رجلا ذا نساء، وكانا صبيين لا يكفيان من أنفسهما شيئا، فخشيت أن يرى نساؤك منهما ما يتقذرن(٣) به من قبيح أمر الصبيان فكنت ألطف لذلك وأحقّ بولايته، فقد قويا / على أنفسهما وشبا، وعرفا ما يأتيان، فها هما هذان فضمّهما إليك، وكن لهما كحجيّة بن المضرب أخي كندة، فإنه كان له أخ يقال له: معدان، فمات وترك أصيبية(٤) صغارا في حجر أخيه، فكان أبرّ الناس بهم وأعطفهم عليهم، وكان يؤثرهم على صبيانه، فمكث بذلك ما شاء اللَّه. ثم إنه عرض له سفر لم يجد بدّا من الخروج فيه، فخرج وأوصى بهم امرأته، وكانت إحدى بنات عمه، وكان يقال لها: زينب، فقال: اصنعي ببني أخي ما كنت أصنع بهم، ثم مضى لوجهه أشهرا، ثم رجع وقد ساءت حال الصبيان وتغيّرت، فقال لامرأته: ويلك! مالي أرى بني معدان مهازيل، وأرى بنيّ سمانا؟ قالت: قد كنت أواسي بينهم، ولكنّهم كانوا يعبثون ويلعبون، فخلا بالصبيان فقال: كيف كانت
(١) لم ترد هذه الترجمة في طبعة بولاق، وجاءت في ملحق برنو وموضعها هنا في المخطوطات المعتمدة.
(٢) (٢) زيادة من «التجريد» يتم بها الكلام.
(٣) في ف: «يتقذرنه»، وفي س: «يتقدرن»، وهو تحريف.
(٤) أصيبية: تصغير أصبية، جمع صبي. وفي «التجريد»: «صبية».