كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مقتل الزبير وخبره

صفحة 297 - الجزء 18

٣ - ذكر مقتل الزبير وخبره

  الزبير وعلي بن أبي طالب

  حدّثنا أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار، وأحمد بن عبد العزيز، عن ابن شبّة قالا: حدثنا المدائنيّ، عن أبي بكر الهذليّ، عن قتادة قال:

  سار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ~ من الزّاوية⁣(⁣١) يريد طلحة والزّبير وعائشة، وصاروا من الفرضة⁣(⁣٢) يريدونه، فالتقوا عند قصر عبيد اللَّه بن زياد يوم الخميس النصف من جمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين، فلما تراءى الجمعان خرج الزّبير على فرس وعليه سلاحه، فقيل لعليّ ~: هذا الزّبير، فقال: أما واللَّه إنه أحرى الرجلين إن ذكَّر باللَّه أن يذكره، وخرج طلحة، وخرج عليّ # إليهما، فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابّهم، فقال لهما: لعمري لقد أعددتما خيلا ورجالا⁣(⁣٣)، إن كنتما أعددتما عند اللَّه عذرا فاتّقيا اللَّه ولا تكونا {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً}⁣(⁣٤) ألم أكن أخاكما في دينكما تحرّمان دمي وأحرّم دماءكما؟ فهل من حدث أحلّ لكما دمي؟ فقال له طلحة⁣(⁣٥): ألَّبت الناس على عثمان، فقال: يا طلحة، أتطلبني بدم عثمان؟ فلعن اللَّه قتلة عثمان، يا زبير، أتذكر يوم مررت مع رسول اللَّه وآله في بني غنم، فنظر إليّ وضحك، وضحكت إليه، فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال: مه ليس بمزهوّ، ولتقاتلنّه وأنت له ظالم، فقال: اللهمّ نعم، ولو ذكَّرت ما سرت مسيري هذا، واللَّه لا أقاتلك أبدا. وانصرف عليّ ~ إلى أصحابه وقال: أما الزّبير فقد أعطى اللَّه عهدا ألَّا يقاتلني.

  / قال: ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن مذ عقلت إلَّا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا، قالت: وما تريد أن تصنع؟ قال: أدعهم وأذهب، فقال له ابنه عبد اللَّه: أجمعت بين هذين الغارين⁣(⁣٦) حتى إذا حدّد بعضهم لبعض أردت أن تذهب وتتركهم؟ أخشيت⁣(⁣٧) رايات ابن أبي طالب وعلمت أنّها تحملها فتية أنجاد.

  فأحفظه، فقال: إني حلفت ألَّا أقاتله. قال: كفّر عن يمينك وقاتله، فدعا غلاما له يدعى مكحولا فأعتقه، فقال عبد الرحمن بن سليمان التيميّ:

  لم أر كاليوم أخا إخوان⁣(⁣٨) ... أعجب من مكفّر الأيمان


(١) الزاوية: عدة مواضع، منها موضع قرب البصرة.

(٢) في ب: «الفريضة».

(٣) في «التجريد»: «وسلاحا».

(٤) النحل ٩٢.

(٥) في «التجريد»: «فقالا: ألبت ...».

(٦) الغار: الجيش الكثير. وفي ب: «العارين».

(٧) في بيروت: «أحسست».

(٨) في «التجريد»: «أخا خوان».