كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

2 - حرب بكر وتغلب

صفحة 27 - الجزء 5

  وكان كليب بن ربيعة ليس على الأرض بكريّ ولا تغلبيّ أجار رجلا ولا بعيرا إلا بإذنه، ولا يحمي حمى إلا بأمره، وكان إذا حمى حمى لا يقرب؛ وكان لمرّة بن ذهل / بن شيبان بن ثعلبة عشرة بنين جسّاس أصغرهم، وكانت أختهم عند كليب. وقال مقاتل وفراس: وأمّ جسّاس هيلة بنت منقذ بن سليمان⁣(⁣١) بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة، ثم خلف عليها سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بعد مرّة بن ذهل، فولدت له مالكا وعوفا وثعلبة. قال فراس بن خندق⁣(⁣٢) البسوسيّ⁣(⁣٣): فهي أمّنا. وخالة جسّاس البسوس - وقال أبو برزة: البسوسيّة - وهي التي يقال لها: «أشأم من البسوس»⁣(⁣٤). فجاءت فنزلت على ابن أختها جسّاس فكانت جارة لبني مرّة، ومعها ابن لها، ولهم ناقة خوّارة⁣(⁣٥) من نعم بني سعد ومعها فصيل.

  أخبرني عليّ بن سليمان قال قال أبو برزة: وقد كان كليب قبل ذلك قال لصاحبته أخت جسّاس: هل تعلمين على الأرض عربيّا أمنع منّي ذمّة؟ فسكتت ثم أعاد عليها الثانية فسكتت ثم أعاد عليها الثالثة، فقالت: نعم أخي جساس وندمانه⁣(⁣٦) / ابن عمّه عمرو⁣(⁣٧) المزدلف بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان. وزعم مقاتل: أن امرأته كانت أخت جسّاس، فبينا هي تغسل رأس كليب وتسرّحه ذات يوم إذ قال: من أعزّ وائل؟ فصمتت⁣(⁣٨)، فأعاد عليها؛ فلما أكثر عليها قالت: أخواي جسّاس وهمّام؛ فنزع رأسه من يدها وأخذ القوس فرمى فصيل ناقة البسوس خالة جسّاس وجارة بني مرّة فقتله؛ فأغمضوا على ما فيه وسكتوا على ذلك. ثم لقي كليب ابن البسوس⁣(⁣٩) فقال: ما فعل فصيل ناقتكم؟ قال: قتلته وأخليت لنا لبن أمّه؛ فأغمضوا على هذه أيضا. ثم إنّ كليبا أعاد على امرأته فقال: من أعزّ وائل؟ فقالت: أخواي؛ فأضمرها وأسرّها في نفسه وسكت، حتى مرّت به إبل جسّاس، فرأى الناقة فأنكرها، فقال:

  ما هذه الناقة؟ قالوا: لخالة جسّاس؛ قال: أو قد بلغ من أمر ابن السّعديّة أن يجير عليّ بغير إذني! ارم ضرعها يا غلام. قال فراس: فأخذ القوس فرمى ضرع الناقة فاختلط دمها بلبنها؛ وراحت الرّعاة على جسّاس فأخبروه بالأمر؛ فقال: احلبوا لها مكيالي لبن بمحلبها ولا تذكروا لها من هذا شيئا؛ ثم أغمضوا عليها أيضا. قال مقاتل:

  حتى أصابتهم سماء، فغدا في غبّها يتمطَّر⁣(⁣١٠)، وركب جسّاس بن مرّة وابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل - وقال أبو


(١) في ط، ء، م: «سلمان».

(٢) كذا في ط، م، ء وكتاب «النقائض» في أكثر من موضع والطبري (قسم أول ص ١٠٦١). وفي باقي الأصول: «فراس بن خندف» بالفاء بدل القاف، وهو تحريف.

(٣) في «النقائض»: «القيسي». وهذه الكلمة ساقطة من ط، ء.

(٤) كذا في «مجمع الأمثال» (ج ١ ص ٣٣٠ طبع بولاق) وهي بنت منقذ التميمية وهي خالة جساس. وفي الأصول: «بسوسة» بزيادة التاء في الآخر.

(٥) ناقة خوّارة: رقيقة حسنة.

(٦) الندمان: الذي يرافقك وينادمك على الشراب، وقد يكون جمعا.

(٧) كذا في أكثر الأصول، والمزدلف لقب عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل وهو ابن عم جساس بن مرة، لقب به لأنه ألقى برمحه في حرب فقال: ازدلفوا إليه، كما قال ابن دريد، أو لاقترابه من الأقران في الحروب وازدلافه إليهم، كما نقله ابن حبيب. (عن «القاموس» و «شرحه» مادة زلف). وفي ب، س: ... وندمانه ابن عمه عمرو والمزدلف ...» بزيادة واو العطف سهوا من الطابع.

(٨) في ط، ء: «فضمزت»، وضمزت: سكتت.

(٩) في م: «جساسا».

(١٠) يتمطر: يتنزه. وقوله: «في غبها» كذا في الأصول، ولم نجد في «معاجم اللغة» التي بين أيدينا أن كلمة «غب» وهي بمعنى «بعد» تجرّ بفي. وهذا الاستعمال نفسه ورد في «اللسان» و «القاموس» و «شرحه» بدون حرف الجر.