كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

رجع الحديث إلى سياقه

صفحة 210 - الجزء 15

رجع الحديث إلى سياقه

  فقال الرجلان: ومن أنت؟ فقال: «إن تنكراني أو تنكرا نسبي، فإنّني عمرو وعديّ أبي»⁣(⁣١)، فقاما إليه فلثماه، وغسلا رأسه وقلَّما أظفاره، وقصّرا من لمّته، وألبساه من طرائف ثيابهما وقالا: ما كنا لنهدي إلى الملك هديّة أنفس عنده ولا هو عليها أحسن صفدا⁣(⁣٢) من ابن أخته، فقد ردّه اللَّه ø إليه. فخرجا حتّى إذا دفعا إلى باب الملك⁣(⁣٣) بشّراه به، فصرفه إلى أمّه، فألبسته ثيابا من ثياب الملوك، وجعلت في عنقه طوقا كانت تلبسه إيّاه وهو صغير، وأمرته بالدخول على خاله، فلما رآه قال: «شبّ عمرو عن الطوق» فأرسلها مثلا. وقال للرجلين اللذين قدما به: احكما فلكما حكمكما. قالا: منادمتك ما بقيت وبقينا. قال: ذلك لكما. فهما نديما جذيمة اللذان ذكرهما متمّم، وضربت بهما الشعراء المثل. قال أبو خراش الهذلي:

  ألم تعلمي أن قد تفرّق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل

  قال ابن حبيب في خبره⁣(⁣٤): وكان جذيمة من أفضل الملوك رأيا، وأبعدهم مغارا، وأشدّهم نكاية، وهو أوّل من استجمع له الملك بأرض العراق، وكانت منازله ما بين الأنبار وبقّة وهيت وعين التمر، وأطراف البر والقطقطانة⁣(⁣٥) والحيرة، فقصد في جموعه / عمرو بن الظَّرب بن حسان⁣(⁣٦) بن أذينة بن السميدع بن هوبر⁣(⁣٧) العاملي، من عاملة العماليق⁣(⁣٨)، فجمع عمرو جموعه ولقيه، فقتله جذيمة وفضّ جموعه، فانفلَّوا⁣(⁣٩) وملَّكوا عليهم ابنته الزبّاء، وكانت من أحزم الناس، فخافت أن تغزوها ملوك العرب فاتّخذت لنفسها نفقا في حصن كان لها على شاطئ الفرات، وسكرت⁣(⁣١٠) الفرات في وقت قلَّة الماء، وبنت أزجا⁣(⁣١١) من الآجرّ والكلس، متصلا بذلك النفق،


(١) جاء هذا الكلام في الأصول على هيئة الشعر، ولا بتقيم وزنه، وفي «مروج الذهب»: «إن تنكراني فلن تنكرا حسبي، أنا عمرو بن عدي».

(٢) الصفد، بالفتح، وبالتحريك: العطية.

(٣) دفعا إلى الباب، بالبناء للمعلوم والمجهول: انتهيا إليه. وفي الأصول ما عدا ها، مب: «رفعا».

(٤) هذا الخبر، هو فاتحة كتاب «أسماء المغتالين من الأشراف لابن حبيب»، نسخة دار الكتب المصرية.

(٥) القطقطانة، بضم القافين: موضع قرب الكوفة من جهة البرية. وفي الأصول: «القطقطانية»، صوابه في «كتاب ابن حبيب».

(٦) كذا على الصواب في مب. وفي ح: «حنان» وسائر النسخ: «حيان»، صوابه في مب و «كتاب ابن حبيب» و «مروج الذهب».

(٧) ح: «هوبز» وسائر النسخ: «هويز»، محرفتان.

(٨) في معظم الأصول «العمالين» صوابه في مب و «كتاب ابن حبيب» و «مروج الذهب».

(٩) كذا في مب. وانفلوا: انهزموا وانكسروا. وفي أ: «انقلبوا»: رجعوا. ح: «وأنقلوا» وسائر النسخ: «وأنفلوا».

(١٠) سكر النهر سكرا: سده، وكل شق سد فقد سكر. وفي الأصول ما عدا ها، مب: «وسكنت» صوابه في ها و «كتاب ابن حبيب»

(١١) الأزج: بيت يبنى طولا. ح: «أرخا» ها: «أزجاء» وسائر النسخ: «أرحاء» صوابها في مب و «كتاب ابن حبيب».