كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر خبر إبراهيم

صفحة 293 - الجزء 18

  ٢ - ذكر خبر إبراهيم في هذه الأصوات الماخوريّة

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز، عن ابن شبّة، عن إسحاق الموصليّ، عن أبيه، قال:

  صنعت لحنا فأعجبني، وجعلت أطلب له شعرا، فعسر ذلك عليّ، فأريت في المنام كأن رجلا لقيني، فقال لي: يا إبراهيم، أو قد أعياك شعر لغنائك هذا الذي تعجب به؟ قلت: نعم. قال: فأين أنت من قول ذي الرمة⁣(⁣١):

  ألا يا اسلمى يا دار ميّ على البلى ... ولا زال منهلَّا بجرعائك القطر

  قال: فانتهيت فرحا بالشعر؛ فدعوت من ضرب عليّ فغنيته، فإذا هو أوفق ما خلق اللَّه، فلما عملت هذا الغناء في شعر ذي الرمة نبّهت عليه وعلى شعره، فصنعت فيه ألحانا ماخورية منها⁣(⁣٢):

  أمنزلتي ميّ سلام عليكما ... هل الأزمن الَّلائي مضين رواجع!

  وغنّيت بها الهادي فاستحسنها، وكاد يطير فرحا، وأمر لكل صوت بألف دينار.

  نسبة ما في هذا الخبر من الغناء

  صوت

  ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى ... ولا زال منهلَّا بجرعائك القطر

  ولو⁣(⁣٣) لم تكوني غير شام بقفرة ... تجرّ بها الأذيال صيفيّة كدر⁣(⁣٤)

  / عروضه من الطويل. وقوله: يا اسلمي ها هنا نداء؛ كأنه قال: يا دار ميّ اسلمي، ويا هذه اسلمي، يدعو لها بالسلامة. ومثله قول اللَّه ø: {أَلَّا يَسْجُدُوا⁣(⁣٥) لِلَّه ِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ}، فسّره أهل اللغة هكذا، كأنه قال: يا قوم اسجدوا للَّه. وميّ ترخيم ميّة إلا أنه أقامه ها هنا مقام الاسم الذي لم يرخّم فنوّنه. وقوله: على البلى، أي اسلمي وإن كنت قد بليت. والمنهلّ: الجاري، يقال: انهلّ المطر انهلالا، إذا سال.

  والجرعاء والأجرع من الرمل: الكثير / الممتد. والشام: موضع يخالف لون الأرض، وهو جمع، واحدته شامة.

  والقفر: ما لم يكن فيه نبات ولا ماء، تجر بها الأذيال صيفية يعني الرياح الصيفية الحارة. وأذيالها: مآخيرها التي تسفي التراب على وجه الأرض، شبهها بذيل المرأة، وعنى بها أوائلها. والكدر: التي فيها الغبرة من القتام


(١) «ديوانه» ٢٠٦.

(٢) «ديوانه» ٣٣٢.

(٣) في «الديوان»: «فإن لم تكوني».

(٤) شام: جمع شامة؛ وهي بقعة تخالف لون الأرض. صيفية: رياح فيها كدر وغبرة.

(٥) على قراءة التخفيف. وانظر القرطبي ١٣: ١٨٦. والآية في سورة النمل ٢٥.