أخبار محمد بن الحارث بن بسخنر
٥ - أخبار محمد بن الحارث بن بسخنّر
  نسبه وبعض أخباره
  هو محمد بن الحارث بن بسخنّر، ويكنى أبا جعفر. وهم، فيما يزعمون، موالي المنصور. وأحسبه ولاء خدمة ولا ولاء عتق. وأصلهم من الرّيّ. وكان محمد يزعم أنّه من ولد بهرام جوبين(١). وولد محمد بالحيرة(٢).
  وكان يغنّي مرتجلا، إلا أنّ أصل ما غنّى عليه المعزفة، وكانت تحمل معه إلى دار الخليفة. فمرّ غلامه بها يوما، فقال قوم كانوا جلوسا على الطريق: مع هذا الغلام مصيدة الفأر، وقال بعضهم: لا، بل هي(٣) معزفة محمد بن الحارث. فحلف يومئذ بالطَّلاق والعتاق / ألَّا يغنّي بمعزفة أبدا أنفة من أن تشتبه(٤) آلة يغنّي بها بمصيدة الفأر. وكان محمد أحسن خلق اللَّه تعالى أداء وأسرعه أخذا للغناء، وكان لأبيه الحارث بن بسخنّر جوار محسنات. وكان إسحاق يرضاهنّ ويأمرهنّ أن يطرحن على جواريه. وقال يوما للمأمون وقد غنّى مخارق بين يديه صوتا فآلتاث(٥) غناؤه فيه وجاء به مضطربا، فقال إسحاق للمأمون: يا أمير المؤمنين، إن مخارقا قد أعجبه صوته وساء أداؤه في غنائه، فمره بملازمة جواري الحارث بن بسخنّر حتى يعود إلى ما تريد.
  هو أفضل من أخذ عن إسحاق أصواتا
  أخبرني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللَّه الهشاميّ(٦) قال:
  سمعت إسحاق(٧) بن إبراهيم بن مصعب يقول للواثق: قال لي إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: ما قدر أحد قطَّ أن يأخذ منّي صوتا مستويا إلَّا محمد بن الحارث بن بسخنّر؛ / فإنّه أخذ منّي عدّة أصوات كما أغنّيها. ثم لم نلبث أن دخل علينا محمد بن الحارث. فقال له الواثق: حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن إسحاق الموصليّ فيك بكذا وكذا.
  فقال: قد قال إسحاق ذاك لي مرّات. فقال له الواثق: فأي شيء أخذت من صنعته أحسن عندك؟ فقال: هو يزعم أنه لم يأخذ منه أحد قطَّ هذا الصوت كما أخذته منه:
(١) في أكثر الأصول: «إبراهيم جوهر» والصواب في ط. وبهرام جوبين من ملوك الفرس، كان في أواخر القرن السادس الميلادي.
(٢) كذا في ط، ح. وفي سائر الأصول: «بالكوفة بل بالحيرة».
(٣) عبارة ط، ح: «لا هذه معزّفة».
(٤) في ط: «تشبه». وفي ب، س: «تشتبه بآلة» تحريف.
(٥) آلتاث هنا: اختلط.
(٦) في أكثر الأصول «الهاشمي» والصواب من ط.
(٧) إسحاق بن إبراهيم المصبغي هذا كان حاكم بغداد في عهد المأمون والمعتصم والواثق. (انظر كتاب «التاج للجاحظ» ص ٣١).