كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حسان بن تبع

صفحة 483 - الجزء 22

٣٤ - أخبار حسان بن تبع

  هو طوافة في البلاد

  أخبرني بخبر حسّان الذي من أجله قال هذا الشعر عليّ بن سليمان الأخفش عن السكريّ، عن ابن حبيب، عن ابن الأعرابيّ. وعن أبي عبيدة وأبي عمرو، وابن الكلبي وغيرهم، قال:

  كان حسّان بن تبّع أحول أعسر⁣(⁣١)، بعيد الهمّة شديد البطش، فدخل إليه يوما وجوه قومه - وهم الأقيال من حمير - فلما أخذوا مواضعهم ابتدأهم فأنشدهم:

  أيها الناس إن رأيي يريني ... وهو الرأي طوفة في البلاد

  بالعوالي وبالقنابل تردى ... بالبطاريق مشية العوّاد

  / وذكر الأبيات التي مضت آنفا، ثم قال لهم: استعدّوا لذلك، فلم يراجعه أحد لهيبته، فلما كان بعد ثلاثة خرج، وتبعه الناس، حتى وطئ أرض العجم، وقال: لأبلغنّ من البلاد حيث لم يبلغ أحد من التبابعة، فجال بهم في أرض خراسان، ثم مضى إلى المغرب، حتى بلغ رومية⁣(⁣٢)، وخلف عليها ابن عم له، وأقبل إلى أرض العراق، حتى إذا صار على شاطئ الفرات، قالت وجوه حمير: ما لنا نفني أعمارنا مع هذا! نطوف في الأرض كلَّها، ونفرّق بيننا وبين بلدنا وأولادنا وعيالنا وأموالنا! فلا ندري من نخلف عليهم بعدنا! فكلَّموا أخاه عمرا، وقالوا له: كلَّم أخاك في الرجوع إلى بلده، وملكه. قال: هو أعسر من ذلك وأنكر⁣(⁣٣)، فقالوا: فاقتله، ونملَّكك علينا، فأنت أحقّ / بالملك من أخيك، وأنت أعقبل وأحسن نظرا لقومك، فقال: أخاف ألَّا تفعلوا، وأكون قد قتلت أخي، وخرج الملك عن يدي، فواثقوه، حتى ثلج⁣(⁣٤) إلى قولهم، وأجمع الرؤساء على قتل أخيه كلَّهم إلا ذا رعين، فإنه خالفهم، وقال: ليس هذا برأي، يذهب الملك من حمير. فشجّعه الباقون على قتل أخيه، فقال ذو رعين: إن قتلته باد ملكك.

  فلما رأى ذو رعين ما أجمع عليه القوم أتاه بصحيفة مختومة، فقال: يا عمرو: إني مستودعك هذا الكتاب، فضعه عندك في مكان حريز، وكتب فيه:

  ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين


(١) أعسر: يعمل بيده اليسرى.

(٢) روميه: مدينة بالمدائن بنيت وسميت باسم أحد الملوك.

(٣) في هج: «وأنكد» بدل «وأنكر».

(٤) ثلج إلى قولهم: استراح.