كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار المعتضد في صنعة هذا اللحن وغيره من الأغاني

صفحة 269 - الجزء 10

٢ - أخبار المعتضد في صنعة هذا اللحن وغيره من الأغاني

  - دون أخباره في غير ذلك لأنها كثيرة تخرج عن حدّ الكتاب - وشئ من أخباره مع المغنّين وغيرهم يصلح لما ها هنا

  راسل عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر في أمر النغم العشر حتى فهمها وجمعها في صوت:

  حدّثني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر أن المعتضد بعث إليه - لما صنعت جاريته شاجي اللحن الذي يجمع النّغم العشر - بظبي وحبيب جاريتي أخيه سليمان بن عبد اللَّه بن طاهر حتى أخذتا اللحن عنه ونقلتاه إليه وألقتاه على جواريه. قال: ولم يزل يراسلني مع عبد اللَّه بن أحمد بن حمدون في أمر النّغم العشر ويسألني عنها وأشرحها له، حتى فهمها جيّدا وجمعها في صوت صنعه في شعر دريد بن الصّمّة:

  يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع

  وألقاه عليهما حتى أدّتاه إليّ مستعلما بذلك هل هو صحيح القسمة والأجزاء أم لا، فعرّفته صحّته ودللته على ذلك حتى تيقّنه فسرّ بذلك؛ وهو لعمري من جيّد الصنعة ونادرها. وقد صنع المعتضد ألحانا في عدّة أشعار قد صنع فيها الفحول من القدماء والمحدثين وعارضهم بصنعته فأحسن وشاكل وضاهى، فلم يعجز ولا قصّر ولا أتى بشيء يعتذر منه. فمن ذلك أنه صنع في:

  أمّا القطاة فإنّي سوف أنعتها ... نعتا يوافق نعتي بعض ما فيها

  لحنا في الثقيل الأوّل بالبنصر في نهاية الجودة، سمعت إبراهيم بن القاسم بن زرزور يغنّيه، فكان من أحسن ما صنع في هذا الصوت على كثرة الصنعة فيه واشتراك / القدماء والمحدثين في صنعته مثل معبد ونشيط ومالك وابن محرز وسنان وعمر الوادي وابن جامع وإبراهيم وابنه إسحاق وعلَّويه. وأظرف من ذلك أنه صنع في:

  تشكَّى الكميت الجري لمّا جهدته ... وبيّن لو يستطيع أن يتكلَّما

  لحنا من الثقيل الأوّل⁣(⁣١) بالوسطى، وقد صنع قبله ابن سريج لحنا هو من الألحان الثلاثة المختارة من الغناء كلَّه، فما قصّر في صنعته ولا عجز عن بلوغ الغاية فيها؛ هذا بعد أن صنع إسحاق فيها لحنا من الثقيل الثاني عارض ابن سريج به في لحنه، فما امتنع من أن يتلو مثل هذين ولا نظير لهما في القدماء والمحدثين، ثم جوّد غاية التجويد فيما اتّبعهما به وعارضهما فيه. هذا مع أصوات له صنعها تزاهي⁣(⁣٢) المائة صوت، ما فيها ساقط ولا مرذول، وسأذكر منها ما يصلح ذكره في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.


(١) في أ، م: «الثاني».

(٢) تزاهي: تضاهي. وزهاء الشيء: قدره.