خبر ابن سريج مع سكينة بنت الحسين
٢ - خبر ابن سريج مع سكينة بنت الحسين @
  أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن مصعب الزّبيريّ، قال: حدثني شيخ من المكيّين، ووجدت هذا الخبر أيضا في بعض الكتب مرويّا عن محمد بن سعد كاتب الواقدي، عن مصعب، عن شيخ من المكيّين، والرواية عنهما متّفقة، قال:
  امتناعه من الغناء وقدومه المدينة للاستشفاء
  كان ابن سريج قد أصابته / الريح الخبيثة، وآلى يمينا ألَّا يغنّي، ونسك ولزم المسجد الحرام حتى عوفي. ثم خرج وفيه بقيّة من العلَّة، فأتى قبر النبيّ ﷺ وموضع مصلَّاة.
  فلما قدم المدينة نزل على بعض إخوانه من أهل النّسك والقراءة، فكان أهل الغناء يأتونه مسلَّمين عليه، فلا يأذن لهم في الجلوس والمحادثة، فأقام بالمدينة حولا حتى لم يحسّ من علَّته بشيء، وأراد الشخوص إلى مكة.
  سكينة ترغب في الاستماع منه
  وبلغ ذلك سكينة بنت الحسين، فاغتمّت اغتماما شديدا، وضاق به ذرعها، وكان أشعب يخدمها، وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره، وقالت لأشعب: ويلك! إنّ ابن سريج شخص، وقد دخل المدينة منذ حول، ولم أسمع من غنائه قليلا ولا كثيرا، ويعزّ ذلك عليّ، فكيف الحيلة في الاستماع منه، ولو صوتا واحدا؟ فقال لها أشعب:
  جعلت فداك! وأنّى لك بذلك والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه؟ فارفعي طمعك، والحسي تورك(١) تنفعك حلاوة فمك.
  / فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت أن تخرج أمعاؤه، وخنقنه حتى كادت نفسه أن تتلف، ثم أمرت به فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجا عنيفا. فخرج على أسوإ الحالات، واغتمّ أشعب غمّا شديدا، وندم على ممازحتها في وقت لم ينبغ له ذلك؛ فأتى منزل ابن سريج ليلا فطرقه، فقيل: من هذا؟ فقال:
  أشعب، ففتحوا له، فرأى على وجهه ولحيته التراب، والدّم سائلا من أنفه وجبهته على لحيته، وثيابه ممزّقة، وبطنه وصدره وحلقه قد عصرها الدّوس والخنق، ومات الدم فيها، فنظر ابن سريج إلى منظر فظيع هاله وراعه، فقال له:
  ما هذا ويحك؟ فقصّ عليه القصة.
  امتناعه من الذهاب إليها
  فقال ابن سريج: إنا للَّه وإنا إليه راجعون! ماذا نزل بك؟ والحمد للَّه الذي سلَّم نفسك، لا تعودنّ إلى هذه
(١) في بعض النسخ: وامسحي بوزك. والمثبت في (ج) والتّور بالفتح: إناء يشرب فيه.