عمر بن أبي ربيعة وصاحبه العذري
  كثيرة، وإذا هم برجل في شعب من تلك الشّعاب وهو الأسود بن عبّاد، فهالهم ما رأوا من عظم خلقه وتخوّفوه، وقد نزلوا ناحية من الأرض واستبروها هل يرون بها أحدا غيره فلم يروا. فقال أسامة بن لؤيّ لابن له يقال له الغوث: أي بنيّ! إنّ قومك قد عرفوا فضلك عليهم في الجلد والبأس والرمي، فإن كفيتنا هذا الرجل سدت قومك آخر الدهر، وكنت الذي أنزلتنا هذا البلد. فانطلق الغوث حتى أتى الرجل فكلَّمه وساءله. فعجب الأسود بن صغر خلق الغوث فقال له: من أين أقبلتم؟ قال: من اليمن، وأخبره خبر البعير ومجيئهم معه، / وأنهم رهبوا ما رأوا من عظم خلقه وصغرهم عنه، وشغلوه بالكلام، فرماه الغوث بسهم فقتله، وأقامت طيئ بالجبلين بعده، فهم هنالك إلى اليوم.
  صوت
  إذا قبّل الإنسان آخر يشتهي ... ثناياه لم يحرج وكان له أجرا
  فإن زاد زاد اللَّه في حسناته ... مثاقيل يمحو اللَّه عنه بها وزرا
  الشعر لرجل من عذرة. والغناء لعريب ثقيل أوّل بالوسطى.
  حديث عمر بن أبي ربيعة عن صاحبه الجعد بن مهجع العذري:
  نسخت هذا الخبر من كتاب محمد بن موسى بن حمّاد قال ذكر الرّياشيّ قال قال حماد الراوية. أتيت مكة فجلست في حلقة فيها عمر بن أبي ربيعة، فتذاكروا من العذريّين، فقال عمر بن أبي ربيعة: كان لي صديق من عذرة يقال له الجعد بن مهجع، وكان أحد سلامان، وكان يلقى مثل الذي ألقى من الصّبابة بالنساء والوجد بهن، على أنه كان لا عاهر الخلوة ولا سريع السّلوة، وكان يوافي الموسم في كلّ سنة؛ فإذا راث(١) عن وقته ترجّمت(٢) عنه الأخبار، وتوكفّت له الأسفار حتى يقدم. فغمّني ذات سنة إبطاؤه حتى قدم حجّاج عذرة، فأتيت القوم أنشد صاحبي، وإذا غلام قد تنفّس الصّعداء ثم قال: أعن أبي المسهر تسأل؟ قلت: عنه أسأل وإيّاه أردت. قال: هيهات هيهات! أصبح واللَّه أبو المسهر لا مؤيسا فيهمل ولا مرجوا فيعلَّل، / أصبح واللَّه كما قال القائل:
  لعمرك ما حبّي لأسماء تاركي ... أعيش ولا أقضي به فأموت
  / قال قلت: وما الذي به؟ قال: مثل الذي بك من تهوّركما في الضّلال، وجرّكما أذيال الخسار، فكأنكما لم تسمعا بجنّة ولا نار. قلت: من أنت منه يا بن أخي؟ قال: أخوه. قلت: أما واللَّه يا بن أخي ما يمنعك أن تسلك مسلك أخيك من الأدب وأن تركب منه مركبه إلا أنّك وأخاك كالبرد والبجاد لا ترقعه ولا يرقعك، ثم صرفت وجه ناقتي وأنا أقول:
  أرائحة حجّاج عذرة وجهة ... ولمّا يرح في القوم جعد بن مهجع
  خليلان نشكو ما نلاقي من الهوى ... متى ما يقل أسمع وإن قلت يسمع
  ألا ليت شعري أيّ شيء أصابه ... فلى زفرات هجن ما بين أضلعي
(١) راث: أبطأ.
(٢) ترجمت: تظننت، من الرجم بمعنى الظن والحدس. وتوكفت توقعت وانتظرت. والأسفار: جماعة المسافرين؛ يقال قوم أسفار، وسفار (بضم السين وتشديد الفاء) وسفر بفتح فسكون)، وسافرة.