صنعة أولاد الخلفاء الذكور منهم والإناث
  صنعة أولاد الخلفاء الدّكور منهم والإناث
  فأوّلهم وأتقنهم صنعة وأشهرهم ذكرا في الغناء إبراهيم بن المهديّ؛ فإنه كان يتحقّق(١) به تحقّقا شديدا ويبتذل نفسه ولا يستتر منه ولا يحاشي أحدا. وكان في أوّل أمره لا يفعل ذلك إلَّا من وراء ستر وعلى حال تصوّن عنه وترفّع، إلا أن يدعوه إليه الرّشيد في خلوة والأمين بعده. فلمّا أمّنه المأمون تهتّك بالغناء وشرب النّبيذ بحضرته والخروج من عنده ثملا ومع المغنّين، خوفا منه وإظهارا له أنه قد خلع ربقة الخلافة من عنقه وهتك ستره فيها حتى صار لا يصلح لها. وكان من أعلم الناس بالنّغم والوتر والإيقاعات وأطبعهم في الغناء وأحسنهم صوتا. وهو من المعدودين في طيب الصّوت خاصّة؛ فإنّ المعدودين منهم في الدولة العبّاسية: ابن جامع وعمرو بن أبي الكنّات وإبراهيم ابن المهديّ ومخارق. وهؤلاء من الطبقة الأولى، وإن كان بعضهم يتقدّم. وكان إبراهيم مع علمه وطبعه مقصّرا عن أداء الغناء القديم وعن أن ينحوه في صنعته، فكان يحذف نغم الأغاني الكثيرة العمل حذفا شديدا ويخفّفها على قدر ما يصلح(٢) له ويفي بأدائه. فإذا عيب ذلك عليه قال: أنا ملك وابن ملك، أغنّي كما أشتهي وعلى ما ألتذّ. فهو أوّل من أفسد الغناء القديم، وجعل للناس طريقا إلى الجسارة على تغييره. فالناس إلى الآن صنفان: من كان منهم على مذهب إسحاق وأصحابه ممّن كان ينكر تغيير الغناء القديم ويعظم الإقدام عليه ويعيب من فعله، فهو يغنّي الغناء القديم على جهته أو قريبا منها. ومن أخذ بمذهب إبراهيم بن المهديّ أو اقتدى به مثل مخارق وشارية وريّق ومن أخذ عن هؤلاء إنما يغنّي الغناء القديم كما / يشتهي هؤلاء لا كما غنّاه من ينسب إليه، ويجد على ذلك مساعدين ممّن يشتهي أن يقرب عليه مأخذ الغناء ويكره ما ثقل وثقلت أدواره، ويستطيل الزمان في أخذ الغناء الجيّد على جهته بقصر معرفته. وهذا إذا اطَّرد فإنّما الصنعة لمن غنّى في هذا الوقت لا للمتقدّمين؛ لأنهم إذا غيّروا ما أخذوه كما يرون وقد غيّره من أخذوه عنه وأخذ ذلك أيضا عمّن غيّره، حتى يمضي على هذا خمس طبقات أو نحوها. لم(٣) يتأدّ إلى الناس في عصرنا هذا من جهة الطبقة غناء قديم على الحقيقة البتّة. وممن أفسد هذا الجنس خاصّة بنو حمدون بن إسماعيل فإن أصلهم فيه مخارق، وما نفع اللَّه أحدا قطَّ بما أخذ عنه، وزرياب الواثقيّة فإنها كانت بهذه الصورة تغيّر الغناء كما تريد، وجواري شارية وريّق. فهذه الطبقة على ما ذكرت. ومن عداهم من الدّور بمثل(٤) دور غريب ودور جواريها والقاسم بن زرزور وولده ودور بذل الكبرى ومن أخذ عنها، وجواري البرامكة وآل هاشم وآل يحيى بن معاذ ودور آل الرّبيع ومن جرى مجراهم ممّن(٥) تمسّك بالغناء القديم وحمله كما سمعه، فعسى أن يكون قد بقي ممّن أخذ بذلك المذهب قليل من كثير، وعلى(٦) أن / الجميع من
(١) كذا في الأصول. ولعلها «يتحفى به تحفيا ... إلخ».
(٢) في الأصول: «ما أصلح له» وهو تحريف.
(٣) في الأصول: «فلم».
(٤) لعله: «مثل».
(٥) لعله: «فقد».
(٦) لعله: «على».