بعض أخبار لابن أبي عتيق
  جارية ابن أبي عتيق ومعابثة فتى لها
  وكانت له جارية، وكان فتى من أهل المدينة كثيرا ما يعبث بها؛ فأعلمت [ابن أبي عتيق بذلك؛ فقال لها:
  قولي له: وأنا أحبّك؛ فإذا قال لك: وكيف لي بك؟ فقولي له: مولاي يخرج غدا إلى مال له، فإذا خرج أدخلتك المنزل. وجمع](١) ابن أبي عتيق ناسا من أصحابه فأجلسهم في بيته [ومعهم عزة الميلاء](١)، وأدخلت الجارية [الرجل. وقال لعزة: غني فأعادت الصوت. وخرجت الجارية](١) فمكثت ساعة ثم دخلت البيت كأنها تطلب حاجة، فقال لها: تعالي. فقالت: الآن آتيك. ثم عادت فدعاها فاعتلَّت(٢)، فوثب فأخذها فضرب بها الحجلة(٣)، فضحك ابن أبي عتيق عليه هو وأصحابه، فقال لهم وهو غير مكترث: يا فسّاق ما يجلسكم ها هنا مع هذه المغنية! فضحك ابن أبي عتيق من قوله وقال له: استر علينا ستر اللَّه تعالى عليك. فقالت له عزّة: يا بن الصّدّيق(٤)، ما أظرف هذا لولا فسقه! فاستحيا الرجل فخرج، وبلغه أن ابن أبي عتيق قد آلى إن هو وقع في يده أن يصير به إلى السلطان.
  فأقبل يعبث بها كلما خرجت، فشكت ذلك إلى مولاها، فقال لها: أو لم يرتدع من العبث بك! قالت: لا. قال:
  فهيّئي الرحى وهيئي من الطعام طحين ليلة إلى الغداة. فقالت: أفعل يا مولاي. فهيّأت ذلك على ما أمرها به ثم قال لها: عديه الليلة فإذا جاء فقولي له: إن وظيفتي الليلة طحن هذا البّركلَّه ثم أخرجي من البيت واتركيه. ففعلت، فلما دخل طحنت الجارية قليلا، ثم قالت(٥) / له: إن كفّت الرحى فإن مولاي جاء إليّ أو بعض من وكله بي، فاطحن حتى نأمن أن يجيئنا أحد، ثم أصير إلى قضاء حاجتك. ففعل الفتى ومضت الجارية إلى مولاها وتركته.
  وقد أمر ابن أبي عتيق عدّة من مولياته أن يتراوحن(٦) على سهر ليلتهن ويتفقّدن أمر الطحين ويحثثن الفتى عليه كلما أمسك؛ ففعلن، وجعلن ينادينه كلما كفّ: يا فلانة إنّ مولاك مستيقظ؛ والساعة يعلم أنك كففت عن الطحن، فيقوم إليك بالعصا كعادته مع من كانت نوبتها قبلك إذا هي نامت وكفّت عن الطحن. فلم يزل الفتى كلَّما سمع ذلك الكلام يجتهد في العمل والجارية تتعهد وتقول: قد استيقظ مولاي. والساعة ينام فأصير إلى ما تحب. فلم يزل الرجل يطحن حتى / أصبح وفرغ من جميع القمح. فلما فرغ وعلمت الجارية أتته فقالت: قد أصبحت فانج بنفسك. فقال: أو قد فعلتها يا عدوّة اللَّه! فخرج تعبا نصبا فأعقبه ذلك مرضا شديدا أشرف منه على الموت، وعاهد اللَّه تعالى ألا يعود إلى كلامها، فلم تر منه بعد ذلك شيئا ينكر(٧).
  صوت
  أجدّ اليوم جيرتك احتمالا ... وحثّ حداتهم بهم عجالا
(١) الزيادة عن ف.
(٢) اعتلت: اعتذرت.
(٣) الحجلة بالتحريك: بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار، وحجلة العروس: بيت يزين بالثياب والأسرّة والستور.
(٤) تريد ابن أبي عتيق وهو عبد اللَّه بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر. «تهذيب التهذيب» (ج ٦ ص ١١).
(٥) في ب، س: «كفت».
(٦) يتراوحن: يتناوبن.
(٧) كذا في ف. وفي سائر النسخ: «فلم ير بعد ذلك منه شيئا كثيرا».