عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
  ٢ - أخبار عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر
  كان عالما ومغنيا ونسب غناءه لجاريته شاجي ترفعا:
  هو عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر بن الحسين، ويكنى أبا أحمد. وله محلّ من الأدب والتصرّف في فنونه ورواية الشعر وقوله والعلم باللغة وأيّام الناس وعلوم الأوائل من الفلاسفة في الموسيقى والهندسة وغير ذلك مما يجلّ عن الوصف ويكثر ذكره. وله صنعة في الغناء حسنة متقنة عجيبة تدلّ على ما ذكرناه هاهنا من توصّله إلى ما عجز عنه الأوائل من جمع النّغم كلَّها في صوت واحد تتبّعه هو وأتى به على فضله فيها وطلبه لها. وكان المعتضد باللَّه، رحمة اللَّه عليه، ربما كان أراد أن يصنع في بعض الأشعار غناء وبحضرته أكابر المغنّين مثل القاسم بن زرزور وأحمد بن المكيّ ومن دونهما مثل أحمد بن أبي العلاء وطبقتهم، فيعدل عنهم إليه فيصنع فيها أحسن صنعة، ويترفّع عن إظهار نفسه بذلك، ويومئ إلى أنه من صنعة جاريته شاجي(١)، وكانت إحدى المحسنات المبرّزات المقدّمات؛ وذلك بتخريجه وتأديبه، وكان بها معجبا ولها مقدّما.
  كان المعتضد يتفقده لما رقت حاله وطلب منه جاريته ليسمع غناءها فأرسلها له:
  فأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال: لمّا اختلت حال عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر كان المعتضد يتفقّده بالصّلات الفينة بعد الفينة. واتّفق يوما كان فيه مصطبحا أن غنّي بصوت الصنعة فيه لشاجي جارية عبيد اللَّه؛ فكتب إليه كتابا يقسم أن يأمرها بزيارته ففعل. قال: فحدّثني من حضر من المغنّيات ذلك المجلس بعد موت المعتضد قالت: دخلت إلينا وما منّا إلَّا من يرفل في الحليّ والحلل وهي في أثواب ليست كثيابنا، فاحتقرناها؛ فلمّا غنّت احتقرنا أنفسنا. ولم تزل تلك حالنا حتى صارت في أعيننا كالجبل وصرنا كلا شيء. قال: ولمّا انصرفت أمر لها / المعتضد بمال وكسوة. ودخلت إلى مولاها فجعل يسألها عن أمرها وما رأت مما استظرفت وسمعت مما استغربت. فقالت: ما استحسنت هناك شيئا ولا استغربته من غناء ولا غيره إلا عودا من عود محفور(٢) فإنّي استظرفته. قال جحظة: فما قولك فيمن يدخل دار الخلافة فلا يمدّ عينه لشيء يستحسنه فيها إلا عودا!.
  كانت شاجي جاريته تلحن للمعتضد بعض الشعر:
  قال محمد بن الحسن الكاتب وحدّثني النّوشجانيّ قال:
  كان المعتضد إذا استحسن شعرا بعث به إلى شاجي جارية عبيد اللَّه بن طاهر فتغنّى فيه. قال: وكانت صنعتها تسمّى في عصره غناء الدار.
(١) في «نهاية الأرب» (ج ٥ ص ٦٦): «ساجي» بالسين المهملة.
(٢) كذا في أ، م و «نهاية الأرب». وفي سائر الأصول: «مفحور» وهو تحريف.