1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره
  مغيرا في جمع عظيم من اليمن، وكان قد طال عمره وكثر تبعه وبعد صيته واتصل ظفره، وكان قد صالح بني عامر على أن يغزو العرب مارّا بهم في بدأته وعودته لا يعرض أحد منهم لصاحبه(١)؛ فخرج غازيا في بعض غزواته فأبعد، ثم رجع إليهم فمرّ على بني جعدة فقرته ونحرت له؛ فعمد ناس من أصحابه سفهاء فتناولوا إبلا لبني جعدة فنحروها؛ فشكت ذلك بنو جعدة إلى شراحيل، فقالوا: قريناك وأحسنّا ضيافتك ثم لم تمنع أصحابك مما يصنعون! فقال: إنهم قوم مغيرون، وقد أساؤا لعمري! وإنما يقيمون عندكم يوما أو يومين ثم يرتحلون عنكم. فقال الرّقاد / بن عمرو بن ربيعة بن جعدة لأخيه ورد بن عمرو - وقيل: بل قال ذلك لابن أخيه الجعد بن ورد -: دعني أذهب إلى بني قشير - قال: وجعدة وقشير أخوان لأمّ وأب، أمّهما ريطة بنت قنفذ بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور - فأدعوهم، واصنع أنت يا هذا لشراحيل طعاما حسنا كثيرا، وادعه وأدخله إليك فاقتله، فإن احتجت إلينا فدخّن، فإني إذا رأيت الدّخان أتيتك بهم فوضعنا سيوفنا(٢) على القوم. فعمد ورد هذا إلى طعام فأصلحه، / ودعا شراحيل وناسا من أصحابه وأهله وبني عمه، فجعلوا كلَّما دخل البيت رجل قتله ورد، حتى انتصف النهار؛ فجاء أصحاب شراحيل يتبعونه، فقال لهم ورد: تروّحوا(٣) فإنّ صاحبكم قد شرب وثمل وسيروح [فرجعوا](٤)؛ ودخّن ورد، وجاءت قشير، فقتلوا من أدركوا من أصحابه، وسار سائرهم؛ وبلغهم قتل شراحيل، فمرّوا على بني عقيل، وهم إخوتهم، فقالوا: لنقتلنّ مالك بن المنتفق؛ فقال لهم مالك: أنا آتيكم بورد؛ فركب ببني عقيل إلى بني جعدة وقشير ليعطوهم وردا؛ فامتنعوا من ذلك وساروا بأجمعهم فذبّوا عن عقيل، حتى تفرّق من كان مع شراحيل. فقال في ذلك بحير(٥) [بن](٦) عبد اللَّه بن سلمة:
  أحيّ يتبعون العير نحرا(٧) ... أحبّ إليك أم حيّا هلال
  لعلك قاتل وردا ولمّا ... تساق(٨) الخيل بالأسل النّهال
(١) كذا في ط. وفي باقي الأصول: ... في بدأته وعودته ولا يعرض واحد منهم صاحبه ...».
(٢) وضعنا سيوفنا على القوم: ألقينا بها وأسقطناها عليهم أي ضربناهم بها؛ يقال: وضع السيف إذا ضرب به؛ قال سديف:
فضع السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا
(٣) تروّح فلان: سار في الرواح، أي العشيّ، مثل راح.
(٤) زيادة عن ط، ء.
(٥) كذا ورد هذا الاسم في عدة مواضع من كتاب «النقائض» وكتاب «أشعار النساء» للمرزباني، وهو بالباء الموحدة من تحت والحاء المهملة على وزان أمير. وفي الأصول «بجير» بالجيم، وهو تصحيف.
(٦) التكملة عن ط، م، ء وكتاب «النقائض» و «أشعار النساء» للمرزبانيّ.
(٧) كذا ورد هذا البيت في أكثر الأصول، وورد في م: «يبتغون ... تجرا» بالجيم. وأورد المرزباني هذا البيت، ببعض اختلاف في كلماته عما هنا، ضمن أبيات قالها بحير هذا في قصة له خلاصتها أن ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير تزوّجت من هوذة ابن علي الحنفي الذي كان يمدحه الأعشى فمات عنها وأصابت منه مالا كثيرا، فخطبها ابن عمها بحير بن عبد اللَّه بن سلمة فلم تزوّجه، فخطبها عبد اللَّه بن جدعان التيميّ إلى أبيها فزوّجه إياها، فلما أهديت إليه قال ابن عمها بحير:
لنعم الحيّ لم تربع عليهم ... ضباعة يوم منقى اللحم غال
ونعم الحيّ حيّ بني أبيها ... إذا قرع المقانب بالعوالي
أقوم يقتنون الإبل تجرا ... أحب إليك أم قوم حلال
حلال: مقيمون. وفي هذا الشعر على هذه الرواية إقواء، وهو اختلاف حركة الرويّ. «وتجر» إما أن يكون مصدرا نصب على التعليل أو جمعا لتاجر كصحب جمعا لصاحب.
(٨) تساق: أصله تتساقى وفي الأصول: «تساقى» ببقاء حرف العلة في آخره وهو مجزوم. والأسل: الرماح. والنهال: الريانة، واحدها:
ناهل، ويطلق الناهل أيضا على العطشان، فهو من الأضداد.