كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

6 - خبر النهدي في هذا الشعر

صفحة 81 - الجزء 5

  ٥ - خبر النّهديّ في هذا الشعر وخبر الوليد بن عقبة وقد مضى نسبه في أوّل الكتاب

  الحارث بن مارية وزهير بن جناب:

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عمي عن ابن الكلبي عن أبيه عن عبد الرحمن المدائني، وكان عالما بأخبار قومه، قال وحدّثنيه أبو مسكين⁣(⁣١) أيضا، قالا:

  كان الحارث بن مارية الغسّاني الجفنيّ مكرما لزهير بن جناب الكلبيّ ينادمه ويحادثه، فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما حزن وسهل ابنا رزاح، وكان عندهما حديث من أحاديث العرب، فاجتباهما الملك ونزلا بالمكان الأثير منه، فحسدهما زهير بن جناب، فقال: أيها الملك، هما واللَّه عين لذي القرنين عليك (يعني المنذر الأكبر جدّ النعمان بن المنذر)، وهما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك؛ قال: كلَّا! فلم يزل به زهير حتى أوغر صدره، وكان إذا ركب يبعث إليهما ببعيرين يركبان معه، فبعث إليهما بناقة واحدة؛ فعرفا الشرّ فلم يركب أحدهما وتوقّف؛ فقال له الآخر:

  فإلَّا تجلَّلها يعالوك فوقها ... وكيف توقّى ظهر ما أنت راكبه

  فركبها مع أخيه، ومضى بهما فقتلا، ثم بحث عن أمرهما بعد ذلك فوجده باطلا فشتم / زهيرا وطرده، فانصرف إلى بلاد قومه؛ وقدم رزاح أبو الغلامين إلى الملك، وكان شيخا عالما مجرّبا، فأكرمه الملك وأعطاه دية ابنيه؛ وبلغ زهيرا مكانه، فدعا ابنا له يقال له عامر، وكان من فتيان العرب لسانا وبيانا، فقال له: إنّ رزاحا قد قدم على الملك، فالحق به واحتل في أن تكفينيه، وقال له: اذممني / عند الملك ونل منّي، وأثّر به آثارا؛ فخرج الغلام حتى قدم الشأم، فتلطَّف للدخول على الملك حتى وصل إليه؛ فأعجبه ما رأى منه؛ فقال له: من أنت؟ قال: أنا عامر بن زهير بن جناب؛ قال: فلا حيّاك اللَّه ولا حيّا أباك الغادر الكذوب السّاعي! فقال الغلام: نعم، فلا حيّاه اللَّه! انظر أيها الملك ما صنع بظهري! وأراه آثار الضرب؛ فقبل ذلك منه وأدخله في ندمائه؛ فبينا هو يحدّثه يوما إذ قال له: أيها الملك، إنّ أبي وإن كان مسيئا فلست أدع أن أقول الحقّ، قد واللَّه نصحك أبي، ثم أنشأ يقول:

  فيا لك نصحة لمّا نذقها ... أراها نصحة ذهبت ضلالا

  ثم تركه أيّاما، وقال له بعد ذلك: أيها الملك، ما تقول في حيّة قد قطع ذنبها وبقي رأسها؟ قال: ذاك أبوك وصنيعه بالرجلين ما صنع؛ قال: أبيت اللَّعن! واللَّه ما قدم رزاح إلا ليثأر بهما؛ فقال له: وما آية ذلك؟ قال: اسقه الخمر ثم ابعث إليه عينا يأتك بخبره؛ فلما انتشى صرفه إلى قبّته ومعه بنت له، وبعث عليه عيونا؛ فلما دخل قبّته قامت إليه ابنته تسانده فقال:


(١) في ط، م، ء: «ابن مسكين».