كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر لإسحاق وابن هشام

صفحة 76 - الجزء 17

٩ - خبر لإسحاق وابن هشام

  وهذا الشعر يقوله في عليّ بن هشام أيام كان إسحاق بالبصرة، وله إليه رسالة حسنة، هذا موضع ذكرها، أخبرنا بها عليّ بن يحيى المنجّم، عن أبيه، ووقعت إلينا من عدّة وجوه:

  رسالته إلى علي بن هشام

  أن إسحاق كتب إلى عليّ بن هشام: «جعلت فداك! بعث إليّ أبو نصر مولاك بكتاب منك إليّ يرتفع عن قدري، ويقصر عنه شكري، فلو لا ما أعرف من معانيه لظننت أنّ الرسول غلط بي فيه، فما لنا ولك يا عبد اللَّه، تدعنا حتى إذا أنسينا الدنيا وأبغضناها، ورجونا السلامة من شرّها، أفسدت قلوبنا وعلَّقت أنفسنا، فلا أنت تريدنا، ولا أنت تتركنا؛ فبأيّ شيء تستحلّ هذا! فأما ما ذكرته من شوقك / إليّ فلولا أنك حلفت عليه لقلت:

  يا من شكا عبثا إلينا شوقه ... شكوى المحبّ وليس بالمشتاق

  لو كنت مشتاقا إليّ تريدني ... ما طبت نفسا ساعة بفراقي

  وحفظتني حفظ الخليل خليله ... ووفيت لي بالعهد والميثاق

  هيهات قد حدثت أمور بعدنا ... وشغلت باللذّات عن إسحاق

  وقد تركت - جعلت فداك - ما كرهت من العتاب في الشعر وغيره، وقلت أبياتا لا أزال أخرج بها إلى ظهر المربد، وأستقبل الشّمال، وأتنسّم أرواحكم فيها، ثم يكون ما اللَّه أعلم به، وإن كنت تكرهها تركتها إن شاء اللَّه:

  ألا قد أرى أنّ الثّواء قليل ... وأن ليس يبقى للخليل خليل

  وإني وإن مكَّنت⁣(⁣١) في العيش حقبة ... كذي سفر قد حان منه رحيل

  / فهل لي إليّ أن تنظر العين مرّة ... إلى ابن هشام في الحياة سبيل؟!

  فقد خفت أن ألقى المنايا بحسرة ... وفي النفس منه حاجة وغليل

  وأمّا بعد، فإني أعلم أنك - وإن لم تسل عن حالي - تحبّ أن تعلمها وأن تأتيك عنّي سلامة؛ فأنا يوم كتبت إليك سالم البدن، مريض القلب.

  يطلب رأي ابن هشام في كتاب سيصنعه

  وبعد: فأنا - جعلت فداك - في صنعة كتاب مليح ظريف، فيه تسمية القوم ونسبهم وبلادهم، وأسبابهم وأزمنتهم، وما اختلفوا فيه من غنائهم، وبعض أحاديثهم، وأحاديث قيان الحجاز والكوفة والبصرة المعروفات والمذكورات، وما قيل فيهنّ من الأشعار، ولمن كنّ، وإلى من صرن، ومن كان يغشاهنّ، ومن كان يرخّص في


(١) في هامش أمن نسخة: «وإن مليت».