كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أبو دلف

صفحة 394 - الجزء 8

  ٧ - ذكر أبي دلف ونسبه وأخباره

  نسب أبي دلف ومكانته

  : هو القاسم بن عيسى بن إدريس، أحد بني عجل بن لجيم بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل. ومحلَّه في الشجاعة وعلوّ المحلّ عند الخلفاء وعظم الغناء في المشاهد وحسن الأدب وجودة الشعر محلّ ليس لكبير أحد⁣(⁣١) من نظرائه. وذكر ذلك أجمع مما لا معنى له لطوله؛ وفي هذا القدر من أخباره مقنع. وله أشعار جياد، وصنعة كثيرة حسنة. فمن جيّد شعره وله فيه صنعة قوله:

  صوت

  بنفسي يا جنان وأنت منّي ... محلّ الروح من جسد الجبان

  / ولو أنّي أقول مكان نفسي ... خشيت عليك بادرة الزمان

  لإقدامي إذا ما الخيل حامت ... وهاب كماتها حرّ الطَّعان

  وله فيه لحن. وهذا البيت الأوّل أخذه من كلام إبراهيم النّظَّام⁣(⁣٢).

  أخذ معنى من محاورة إبراهيم النظام لغلام

  : أخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن الحسن بن الحرون قال:

  لقي إبراهيم النظَّام غلاما حسن الوجه، فاستحسنه وأراد كلامه فعارضه، ثم قال له: يا غلام، إنك لولا ما سبق من قول الحكماء مما جعلوا به السبيل لمثلي إلى مثلك في قولهم: لا ينبغي لأحد أن يكبر عن أن يسأل، كما أنه لا ينبغي لأحد أن يصغر عن أن يقول، لما أنبت⁣(⁣٣) إلى مخاطبتك ولا انشرح صدري لمحادثتك، لكنه سبب الإخاء وعقد المودّة، ومحلَّك من قلبي محلّ الروح من جسد الجبان. فقال له الغلام / - وهو لا يعرفه -: لئن قلت ذلك أيها الرجل لقد قال أستاذنا إبراهيم النظَّام: الطبائع تجاذب ما شاكلها بالمجانسة، وتميل إلى ما قاربها بالموافقة؛ وكياني مائل إلى كيانك بكلَّيّتي. ولو كان الذي انطوى عليه عرضا لم أعتدّ به ودّا، ولكنه جوهر جسمي؛ فبقاؤه ببقاء النفس، وعدمه بعدمها؛ وأقول كما قال الهذليّ:

  فتيقّني أن قد كلفت بكم ... ثم افعلي ما شئت عن علم


(١) يظهر أن صوابه: «ليس لكبير آخر».

(٢) هو إبراهيم بن سيار أبو إسحاق النظام المعتزلي أحد شيوخ المتكلمين والمعتزلة في دولة المعتصم.

(٣) أنبت: رجعت. وفي ب، س: «لما أتيت».