كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

يوم الكلاب الأول وقتل شرحبيل

صفحة 419 - الجزء 12

  سلمة بن الحارث في بني تغلب والنّمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة. فلما هلك الحارث تشتّت أمر بنيه، وتفرقت كلمتهم، ومشت الرجال بينهم، وكانت المغاورة بين الأحياء الذين معهم، وتفاقم الأمر حتى جمع كلّ واحد منهم لصاحبه الجموع؛ فسار شرحبيل ومن معه من بني تميم والقبائل، فنزلوا الكلاب - وهو فيما بين / الكوفة والبصرة على سبع ليال من اليمامة - وأقبل سلمة بن الحارث في تغلب والنّمر ومن معه، وفي الصنائع - وهم الذين يقال لهم بنو رقيّة، وهي أمّ لهم ينتسبون إليها. وكانوا يكونون مع الملوك - يريدون الكلاب. وكان نصحاء شرحبيل وسلمة قد نهوهما عن الحرب والفساد والتحاسد، وحذّروهما عثرات الحرب وسوء مغبّتها، فلم يقبلا ولم يبرحا، وأبيا إلَّا التتابع واللجاجة في أمرهم، فقال امرؤ القيس⁣(⁣١) بن حجر في ذلك:

  أنّى عليّ استتبّ لومكما ... ولم تلوما عمرا⁣(⁣٢) ولا عصما

  كلَّا يمين الإله يجمعنا ... شيء وأخوالنا بني جشما

  حتى تزور السباع ملحمة ... كأنها من ثمود أو إرما

  وكان أوّل من ورد الكلاب من جمع سلمة سفيان بن مجاشع بن دارم، وكان نازلا في بني تغلب مع إخوته لأمّه، فقتلت بكر بن وائل بنين له، فيهم مرّة بن سيفان، قتله سالم بن كعب بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان؛ فقال سفيان وهو يرتجز:

  الشيخ شيخ ثكلان ... والجوف جوف حرّان

  والورد ورد عجلان ... أنعى مرّة بن سفيان⁣(⁣٣)

  وفي ذلك يقول الفرزدق:

  شيوخ منهم عدس بن زيد ... وسفيان الذي ورد الكلابا

  وأوّل من ورد الماء من بني تغلب رجل من بني عبد بن جشم يقال له النعمان بن قريع بن حارثة بن معاوية بن عبد بن جشم، وعبد يغوث بن دوس، وهو عم الأخطل - دوس والفدوكس أخوان - على فرس له يقال له الحرون، وبه كان يعرف / ثم ورد سلمة، بيني تغلب وسعد وجماعة الناس، وعلى بني تغلب يومئذ السفاح - واسمه سملة بن خالد بن كعب بن زهير بن تميم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب - / وهو يقول:

  إنّ الكلاب ماؤنا فخلَّوه ... وساجرا⁣(⁣٤) واللَّه لن تحلَّوه

  فاقتتل القوم قتالا شديدا، وثبت بعضهم لبعض؛ حتى إذا كان في آخر النهار من ذلك اليوم خذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرّباب بكر بن وائل، وانصرفت بنو سعد وألفافها عن بني تغلب، وصبر ابنا وائل: بكر وتغلب ليس معهم غيرهم، حتى إذا غشيهم الليل نادى منادى سلمة: من أتى برأس شرحبيل فله مائة من الإبل، وكان شرحبيل نازلا في بني حنظلة وعمرو بن تميم، ففرّوا عنه، وعرف مكانه أبو حنش - وهو عصم بن النعمان بن مالك


(١) كذا في جميع الأصول، والذي في «شرح النقائض» ص ٤٥٢، و «شرح المفضليات» ص ٤٢٨: «فقال سلمة».

(٢) كذا في ف، وفي سائر الأصول: «حجرا».

(٣) هذا الشطر قد دخله الخزم بزيادة حرفين في أوله.

(٤) ساجر: موضع بين ديار غطفان وديار بني تميم.