كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار قلم الصالحية

صفحة 233 - الجزء 13

٢٣ - أخبار قلم الصّالحيّة

  كانت قلم الصالحية جارية مولَّدة صفراء حلوة حسنة الغناء والضرب حاذقة، قد أخذت عن إبراهيم وابنه إسحاق، ويحيى المكيّ، وزبير بن دحمان. وكانت لصالح بن عبد الوهّاب أخي أحمد بن عبد الوهّاب كاتب صالح بن الرشيد، وقيل: بل كانت لأبيه. وكانت لها صنعة يسيرة نحو عشرين صوتا، واشتراها الواثق بعشرة آلاف دينار.

  قلم الصالحية وإعجاب الواثق بها

  فأخبرني محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثني رذاذ أبو الفضل المغنّي مولى المتوكل على اللَّه، قال حدّثني / أحمد بن الحسين بن هشام، قال:

  كانت قلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب إحدى المغنّيات المحسنات المتقدمات، فغنى بين يدي الواثق لحن لها في شعر محمّد بن كناسة، قال:

  فيّ انقباض وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوفاء والكرم

  أرسلت نفسي على سجيّتها ... وقلت ما قلت غير محتشم

  فسأل: لمن الصنعة فيه؟ فقيل: لقلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب. فبعث إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات فأحضره. فقال: ويلك! من صالح بن عبد الوهاب هذا؟ فأخبره. قال: أين هو؟ قال: ابعث فأشخصه وأشخص معه جاريته. فقدما على الواثق، فدخلت عليه قلم، فأمرها بالجلوس والغناء، فغنّت، فاستحسن غناءها وأمر بابتياعها. فقال صالح: أبيعها بمائة ألف دينار وولاية مصر. فغضب الواثق من ذلك، وردّ عليه⁣(⁣١). ثم غنّى بعد ذلك زرزور⁣(⁣٢) الكبير في مجلس الواثق صوتا، الشعر فيه لأحمد بن عبد الوهاب أخي صالح، والغناء لقلم، وهو:

  /

  أبت دار الأحبّة أن تبينا ... أجدّك ما رأيت لها معينا⁣(⁣٣)

  تقطَّع نفسه من حبّ ليلى ... نفوسا ما أثبن ولا جزينا

  فسأل: لمن الغناء؟ فقيل: لقلم جارية صالح، فبعث إلى ابن الزّيات: أشخص صالحا ومعه قلم. فلما أشخصهما دخلت على الواثق، فأمرها أن تغنّيه هذا الصوت، فغنته، فقال لها: الصنعة فيه لك؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: بارك اللَّه عليك. وبعث إلى صالح فأحضر، فقال⁣(⁣٤): أما إذا وقعت الرغبة فيها من أمير المؤمنين


(١) كذا، وفي «نهاية الأرب»: «وردها إليه».

(٢) في ب، ح: «زرزر».

(٣) أجدك، أي أجدا منك، أي أحقا ما تقول.

(٤) جاء في «نهاية الأرب» ج ٥ صفحة ٦٩ ما يأتي: «وبعث إلى صالح فأحضره وقال له: إني قد رغبت في هذه الجارية فاستم في ثمنها سوما يجوز أن تعطاه. فقال ...».