أخبار محمد بن عبد الملك الزيات ونسبه
٤ - أخبار محمد بن عبد الملك الزيات ونسبه
  اسمه ونسبه:
  هو محمد بن عبد الملك الزيات بن أبان بن أبي حمزة الزيات، وأصله من جبّل(١) ويكنى أبا جعفر. وكان أبوه تاجرا من تجار الكرخ المياسير، فكان يحثّه على التجارة وملازمتها، فيأبى إلا الكتابة وطلبها، وقصد المعالي، حتى بلغ منها أن وزر ثلاث دفعات، وهو أوّل من تولى ذلك وتمّ له.
  أخبرني الأخفش عليّ بن سليمان قال: حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال:
  كان جدّي موسرا من تجار الكرخ، وكان يريد من أبي أن يتعلَّق بالتجارة، ويتشاغل بها، فيمتنع من ذلك ويلزم الأدب وطلبه، ويخالط(٢) الكتاب، ويلازم الدّواوين، فقال له ذات يوم: واللَّه ما أرى ما أنت ملازمه ينفعك؛ وليضرّنّك؛ لأنك تدع عاجل المنفعة، وما أنت فيه مكفيّ، ولك ولأبيك فيه مال وجاه، وتطلب الآجل الذي لا تدري كيف تكون فيه. فقال: واللَّه لتعلمنّ أيّنا ينتفع بما هو فيه؛ أأنا أم أنت؟ ثم شخص إلى الحسن بن سهل بفم الصّلح(٣)، فامتدحه بقصيدته التي أولها:
  كأنها حين تناءى خطوها ... أخنس موشيّ الشّوى يرعى القلل(٤)
  فأعطاه عشرة آلاف درهم، فعاد بها إلى أبيه، فقال له أبوه: لا ألومك بعدها. على ما أنت فيه.
  دخوله على الحسن بن سهل:
  أخبرني جحظة والصّوليّ، قالا: حدّثنا ميمون بن هارون: قال:
  لما مدح محمد بن عبد الملك الحسن بن سهل، ووصله بعشرة آلاف درهم مثل بين يديه وقال له:
  لم أمتدحك رجاء المال أطلبه ... لكن لتلبسني التّحجيل والغررا
  وليس ذلك إلا أنّني رجل ... لا أطلب الورد حتى أعرف الصّدرا
  وكان محمد بن عبد الملك شاعرا مجيدا، لا يقاس به أحد من الكتاب، وإن كان إبراهيم بن العباس مثله في ذلك، فإن إبراهيم مقلّ وصاحب قصار ومقطَّعات، وكان محمد شاعرا يطيل فيجيد، ويأتي بالقصار فيجيد، وكان بليغا حسن اللفظ إذا تكلَّم وإذا كتب.
(١) جبل: قرية مقابلة لقرية دسكرة غربي بغداد.
(٢) في س، ب: «يخاطب». بدل «يخالط».
(٣) فم الصلح: موضع على نهر الصلح وهو نهر كبير فوق واسط، بينها وبين جبل عليه عدة قرى. والصلح كانت دار الحسن بن سهل.
(٤) أخنس: ثور وحشي، وموشي الشوي: ملون الأطراف.