كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بكر بن خارجة

صفحة 139 - الجزء 23

١٨ - أخبار بكر بن خارجة

  كان وراقا:

  كان بكر بن خارجة، رجلا من أهل الكوفة، مولى لبني أسد، وكان ورّاقا ضيّق العيش، مقتصرا على التكسب من الوراقة، وصرف أكثر ما يكسبه إلى النبيذ، وكان معاقرا للشّرب في منازل الخمّارين وحاناتهم، وكان طيّب الشّعر مليحا مطبوعا طبعا ماجنا⁣(⁣١).

  يتعشق هدهدا:

  فذكر أبو العنبس الصّيمري أن محمد بن الحجاج حدّثه قال:

  رأيت بكر بن خارجة يبكَّر في كل يوم بقنّينتين من شراب إلى خراب من خرابات الحيرة، فلا يزال يشربه فيه على صوت هدهد كان يأوي إلى ذلك الخراب، إلى أن يسكر، ثم ينصرف، قال: وكان يتعشق ذلك الهدهد.

  وحدّثني عمي عن ابن مهرويه عن عليّ بن عبد اللَّه بن سعد، قال:

  كان بكر بن خارجة يتعشق غلاما نصرانيا، يقال له: عيسى بن البراء العباديّ الصّيرفي، وله فيه قصيدة مزدوجة يذكر فيها النصارى وشرائعهم وأعيادهم، ويسمّي دياراتهم، ويفضّلهم.

  دعبل يحسده على بيتين قالهما:

  قال: وحدّثني [من شهد دعبلا⁣(⁣٢)] وقد أنشدني قوله في عيسى بن البراء النصراني العبادي:

  زنّاره في خصره معقود ... كأنه من كبدي مقدود

  فقال دعبل: ما يعلم اللَّه أنّي حسدت أحدا قطَّ كما حسدت بكرا على هذين البيتين.

  الجاحظ يكتب أبياتا له وهو قائم:

  وحدّثني عمي عن الكرانيّ، قال: حرّم بعض الأمراء بالكوفة بيع الخمر على خماري الحيرة، وركب فكسر نبيذهم، فجاء بكر يشرب عندهم على عادته، فرأى الخمر مصبوبة في الرحاب والطرق، فبكى طويلا، وقال:

  يا لقومي لما جنى السلطان ... لا يكونن لما أهان الهوان⁣(⁣٣)

  قهوة في التراب من حلب الكر ... م عقارا كأنّها الزعفران


(١) المراد أن من سجاياه عدم المبالاة.

(٢) زيادة في ف وهج.

(٣) في ف: «لمن» بدل «لما».