مقدمة المؤلف
  بِسْمِ أللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
  نهج أبي الفرج في تأليف الكتاب
  هذا كتاب ألَّفه عليّ بن الحسين بن محمد القرشيّ الكاتب المعروف بالأصبهانيّ، وجمع فيه ما حضره وأمكنه جمعه من الأغاني(١) العربية قديمها وحديثها، ونسب كلّ ما ذكره منها إلى قائل شعره وصانع لحنه وطريقته من إيقاعه وإصبعه التي ينسب إليها من طريقته، واشتراك إن كان بين المغنّين فيه، على شرح لذلك وتلخيص وتفسير للمشكل من غريبه وما لا غنى عن علمه من علل إعرابه وأعاريض شعره التي توصّل إلى معرفة تجزئته وقسمة ألحانه.
  ولم يستوعب كلّ ما غنّي به في هذا الكتاب ولا أتى بجميعه؛ إذ كان قد أفرد لذلك كتابا مجرّدا من الأخبار ومحتويا على جميع الغناء المتقدّم والمتأخّر. واعتمد في هذا [الباب](٢) على ما وجد لشاعره أو مغنّيه أو السبب الذي من أجله قيل الشعر أو صنع اللحن خبرا يستفاد ويحسن بذكره ذكر الصوت معه، على أقصر ما أمكنه وأبعده من الحشو والتكثير بما تقلّ الفائدة فيه. وأتى في كل فصل من ذلك بنتف تشاكله، ولمع تليق به، وفقر إذا تأمّلها قارئها لم يزل متنقّلا بها من فائدة إلى مثلها، / ومتصرّفا فيها(٣) بين جدّ وهزل، وآثار وأخبار، وسير وأشعار، متصلة بأيام العرب المشهورة وأخبارها المؤثورة، وقصص الملوك في الجاهلية والخلفاء في الإسلام، تجمل بالمتأدّبين معرفتها، وتحتاج الأحداث إلى دراستها، ولا يرتفع من فوقهم من الكهول عن الاقتباس منها؛ إذ كانت منتخلة(٤) من غرر الأخبار، ومنتقاة من عيونها، ومأخوذة من مظانّها، ومنقولة عن أهل الخبرة بها. فصدّر كتابه هذا وبدأ فيه بذكر المائة الصوت المختارة لأمير المؤمنين الرشيد / ¦ وهي التي كان أمر إبراهيم الموصليّ وإسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء باختيارها له من الغناء كلَّه؛ ثم رفعت(٥) إلى الواثق باللَّه - رحمة اللَّه عليه - فأمر إسحاق بن إبراهيم بأن يختار له منها ما رأى أنه أفضل مما كان اختير متقدّما، ويبدل ما لم يكن على هذه الصفة بما(٦) هو أعلى منه وأولى بالاختيار؛ ففعل ذلك. وأتبع هذه القطعة بما اختاره غير هؤلاء من متقدّمي المغنّين وأهل العلم بهذه الصناعة من الأغاني، وبالأصوات التي تجمع النّغم العشر المشتملة على سائر نغم الأغاني
(١) الأغنية (بضم الهمزة وكسرها، وتشديد الياء وقد تخفف): ما يترنم ويتغنى به من الشعر ونحوه والجمع أغانيّ وأغان.
(٢) زيادة في أ، ء، م.
(٣) كذا في أ، م، ء. وفي ب، س، ح، ر: «متصرفا بها».
(٤) كذا في ح. وقد صوّبه الأستاذ الشنقيطي في نسخته بوضع نقطة فوق الحاء. وفي الأصول كلها: «منتحلة» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
(٥) كذا في أ، م، ء. وفي سائر النسخ: «وقعت».
(٦) كذا في جميع النسخ بتعدية الفعل إلى المتروك بنفسه إلى غير المتروك بالباء، وهو على غير المعروف من أن الباء تدخل على المتروك.